أي معارضة في سوريا؟ (ماريا سعادة)

 

ماريا سعادة

ها هو مؤتمر «جنيف 2» قد عقد وانتهى، وعقدت عليه الآمال وانتهت بانتهائه، وقد انتظرنا طويلاً حتى تتضح الرؤية لدى البعض والتي كانت واضحة لدينا منذ البداية لتؤكد أن الحل لن يكون إلا سورياً وبامتياز.
ففي خضم المفاوضات التي ظهرت على أنها سورية سورية، بدت وكأنها سورية دولية وإقليمية. فالمعارضة السياسية الحقيقية لم تكن موجودة وفي سوريا إنما تتراءى مجموعة من المعارضات لا معارضة واحدة.
والمعارضة ليست بالضرورة أن تجتمع على رأي أو مشروع واحد، فهي قوى سياسية مختلفة الاتجاهات، وهي بالتعريف جزء من التعددية السياسية، وليست كل التعددية السياسية التي تحتمل ألواناً ورؤى متعددة ومشاريع مختـلفــة. وليــس مطــلوباً منــها أن تواجه النظام بالموقف ذاته أو أن تكون في الطرف ذاته، فلا يمــكن الجمع مثلاً بين «هيئة التنسيق» التي استنكرت الضربة الأميركـية لسوريــا مع «الائتلاف» الذي استنكر تراجع أميركا عن ضرب سوريا ووضعهما في الصف ذاته، مقابل وفد الحكومة والذي هو بالتعريف أيضاً يمثل الدولة حيث يجب أن تكون مظلة لجميع القوى السياسية لا جزءاً منها.
بعد ثلاث سنوات من عمر الأزمة السورية والحــرب على ســورية، وبتقــييم عمل المعارضة السياسيــة، وبعد توصيف لمفهوم المعارضة السياسية، لا بد من الفصل بين المعارضة الوطنية وغير الوطنية، كما لا بد من التمييز بين معارضة أفراد لشكل النظام الحالي وشخصنته، وبين وجود هيكلية واضحة مرتبطة بالأرض أي بالمجتمع وتحمل مشروعاً سياسيا تجتمع عليه شرائح وأطياف واسعة من المجتمع السوري.
حتى الآن لم نجد من مجموعات المعارضة مشروعاً وطنياً يبدأ من الأرض وليس من زيارات الدول الخارجية ودعمها. وحتى الآن لم نجد أي امتهان سياسي يفكر بعقل الدولة لخلاص الأزمة، وحتى الآن لم نجد أن مفهوم قبول الآخر على أساس الاتفاق على المسألة الوطنية مشروطة بإصلاحات النظام السياسي ورادة.
المرحلة القادمة لا يمكن فيها التعويل على المعارضة الموجودة وآلياتها التي لم تساعد في حل الأزمة، وإنما التعويل اليوم على المجتمع. فنحن أمام مرحلة تاريخية لا يمكن فيها تجاوز الشعوب والمجتمعات، لا سيما أنها صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير وفي الإصلاح. كما أن آليات العمل ونمط التفكير المطلوب يختلف عن الذهنية القديمة الموجودة، سواء في عقل أفراد ينتمون إلى النظام السياسي القائم، أو إلى المعارضة.
والعمل المفترض هو على مستويين، الأول وطني بالشراكة مع الدولة للتصدي لكل أشكال التدخل الخارجي المباشرة وغير المباشرة وتحصين المجتمع السوري من الداخل وبالتالي العمل مع المجتمع على أساس التشاركية وإيجاد آليات جديدة ونمط جديد لاستعادة تماسكه، والثاني هو المستوى السياسي لبناء سوريا المستقبلية، وبالتالي تأسيس فكر جديد يستنبط من كل القوى المجتمعية التي تؤمن أن دورها هو تكاملي تشاركي لا مصلحي فردي.
من أجل العمل على هذه المستويات، هذا يتطلب مرحلة نضوج لبناء هياكل مجتمعية جديدة تتطلب سنوات، وبالتالي أي جهد اليوم من أجل مصلحة الدولة هو من أجل أن يحصد في الجيل المستقبلي، والعمل السياسي اليوم هو ليس البحث عن المنصب وإنما عن الدور في عملية سياسية واسعة وعملية مجتمعية نهضوية شاملة تتطلب إيجاد منظومة مفاهيم جديدة وقيم مجتمعية جديدة للبناء عليها.
ان مصلحة سوريا تبدأ من العمل مع المجتمع السوري ومن أجله، وهذا ليس حقلاً مجتمعياً حيث لا يمكن فصل المسار السياسي عن مسار تطور المجتمعات واحترامها. والتواجد على المستوى السياسي والعمل السياسي هو بهدف إيصال صوته والتمكن من مساعدته ودعمه في إعادة تشكيل نفسه وقدراته ومنظومة المفاهيم التي يجب أن يتسلح بها.
ولذلك فإن عملية إنقاذ سوريا تبدأ من الداخل وعملية بناء سوريا تبدأ من الداخل، ولكنها حتماً ستكون نمطاً جديداً.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى