إحسان عبدالقدوس: الظلام لا يخفي ضوء شمعة مضيئة
“كلما ارتقى الإنسان كان أكثر حرصًا على أن يواجه الحقيقة بنفسه، وكلما ظل متأخرًا، ظل يهرب من الحقيقة وهي تلاحقه إلى أن تنتصر عليه“.
هذا ما قاله أحسان عبدالقدوس، وما بدأت به الكاتبة زينب عبدالرزاق مقدمة كتابها “إحسان عبدالقدوس.. معارك الحب والسياسة” الصادر عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة.
عبدالرزاق تقول إن هذا المبدأ، وتقصد قول عبدالقدوس أعلاه، كان أكثر ما جذبها لأدبه، وما جعلها تحترم هذا الأديب الكبير أدبًا وإنسانية هي تلك القيمة الإنسانية الثمينة التي جعلته يرد على الزعيم جمال عبدالناصر عندما اعترض على مجموعة قصص “البنات والصيف” قائلًا إن الواقع أقبح بكثير.
هنا تذكر الكاتبة إن عبدالقدوس أنشأ مدرسة صحفية جديدة ومميزة، ولشدة حبه لوالدته رفض أن ينسب مدرسته لنفسه، وإنما نسبها لوالدته السيدة روزاليوسف، وكانت مدرسة النقد السياسي والاجتماعي والدفاع عن الحرية والديموقراطية والتصدي للتسلط والفساد والرجعية. كان عبدالقدوس يكتب من أجل ما هو عام، معالجًا القضايا السياسية والوطنية والاجتماعية العامة، لكنها ليست متعالية عن كل ما يمس مصالح فئات الشعب المصري. أما مدرسته الأدبية فكانت ترفض القيود التي تكبل المشاعر، وتسمح بالبوح وتعذر الضعف الإنساني، وترفض القبح والغش والضعف والتخاذل والخيانة، وتدافع عن الجمال والصدق والمحبة والحرية والكرامة.
واقعي ورمانسي
الكاتبة تذكر هنا أننا سواء اختلفنا أو اتفقنا مع عبدالقدوس، فأننا لا نستطيع إلا أن نعترف بأنه مدرسة شديدة التميز في فنون وألوان الكتابة صحفيًّا وسياسيًّا وروائيًّا وقصصيًّا. كذلك تصف الكاتبة عبدالقدوس هنا بأنه كان شديد الواقعية في كتابته الصجفية، ورومانسيًّا شديد الرقة والعذوبة في كتابته الأدبية، عبّر عن مشاعر حواء بكل دقة، وغاص في ثنايا القلب وحنايا الروح، يلتقط الألم والحب والحزن والإنكسار والتضحية والوجع الصامت والكبرياء المجروحة.
كما تُرجع الكاتبة ما يراه البعض تناقضًا في حياة عبدالقدوس إلى أنه نشأ في بيئتين متعارضتين: بيئة جده المحافظة، وبيئة والدته الأكثر تحررًا. لهذا، تقول الكاتبة، كان مختلفًا في استيعاب ما يراه حوله، وكان دارسًا لنقاط الضعف البشرية التي تحتم أحيانًا على صاحبها أن يقول ما لا يؤمن به. كذلك تورد الكاتبة ما قاله عبدالقدوس عن قصصه إذ يقول: “كل القصص التي كتبتها كانت دراسة صادقة جريئة لعيوب المجتمع، وهي عيوب قد يجهلها البعض، ويعرفها كثيرون”.
في كتابها هذا، تجعل عبدالرزاق قارئها يعيش حياة إحسان عبدالقدوس التي كانت بطبيعتها حياة مع تاريخ مصر السياسي والفكري خلال فترة مهمة ومليئة بالأحداث المصيرية، متحدثة عن المؤثرات الأساسية التي أثرت في حياته وتتعلق هذه المؤثرات بنشأته وبشخصية الأم وبالحيرة والتذبذب بين عالمين مختلفين لدرجة التناقض، وبشخصية زوجته التي ساندته ووقفت بجواره في كل المحن والمآسي التي تعرض لها.
هنا تتحدث زينب عبدالرزاق عن ميلاد عبدالقدوس في الأول من يناير/كانون الثاني 1919، وعن مرحلة طفولته وصباه، وعن نشأته في بيت جده في القرية، مثلما تتحدث عن الشخصيتين الملهمتين في حياته وهما الأم والزوجة اللتين يقول عنهما: “كانت كل منهما صادقة في عطائها، وفي الاستجابة لحاجتي الطبيعية، وهكذا نجحت أمي ونجحت زوجتي”.
في دهاليز السياسة
هنا أيضًا تتناول الكاتبة حياة عبدالقدوس في دهاليز السياسة، قائلة إنه قد اشتبك مع الواقع السياسي منذ شبابه، ورغم صغر سنه، فأنه انتقد سلطة الاحتلال البريطاني والحكومات الموالية للملك فاروق، كما كان يحب وطنه حبًّا شديدًا، وكتب عن الحرية الفردية والحرية السياسية. كما تذكر أن كثيرًا من النقاد وصفوا عبدالقدوس بأنه غزير الإنتاج، وأنه كتب ما يقرب من 600 رواية وقصة قصيرة، وقد تحولت 49 رواية إلى أفلام سينمائية، وتمت مسرحة خمس روايات وستة مسلسلات إذاعية، خلاف المسلسلات التليفزيونية، كما تُرجمت له 56 رواية إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والصينية والأوكرانية.
كذلك تكتب عبدالرزاق هنا عن اليهود في عين إحسان عبدالقدوس، وعن بطلات أفلامه، وعن رحيله عام 1990، وعن فضفضات عبد القدوس التي بثها في رسائله إلى آخرين، ذاكرة قوله: “عندما أكتب لا أتقيد بحدود..لأن قلمي لا يستطيع أن يقيد نفسه بحدود تُفرض عليه”.
أقوال مأثورة
وفي نهاية كتابها هذا تورد عبدالرزاق عددًا من المقولات المأثورة لإحسان عبدالقدوس منها:
– أهم ما أعتز به هو شرف المهنة الذي يحتم علينا أن نحتفظ بالأسرار التي نستمع إليها.
– كل فرد بين ملايين البشر له قصة قائمة بذاتها تصلح للنشر.
– النسيان هو أن تحتمل جرح قلبك إلى أن يندمل، وتحتمل جرح عقلك إلى أن يجف.
– كل الظلام الذي في الدنيا لا يستطيع أن يخفي ضوء شمعة مضيئة.
– القلم استكشاف للنفس البشرية.
– هل الإخلاص هو إخلاص الجسد وحده؟ أم هو إخلاص الفكر والقلب والروح؟
– كل منا له وجهان، وجه للناس، ووجه داخل نفسه، والمستحيل هو التوفيق بين الوجهين.
– كل تطور يبدو خطيرًا في أوله، إن السعي إلى الحرية والمساواة يعتبر ثورة.
ميدل إيست أونلاين