إخوان سورية… مشروع القرن الواحد والعشرين! (صلاح نيوف)

صلاح نيوف*

 

المشكلة الفكرية السياسية أمام «الإخوان»، أن مصدرها ليس داخل العقل بل الوحي، فهي من مصدر غريب عن الإنسان الباحث في محيطه.

تألف المشروع الذي وضعه «الإخوان»، لمواجهة التحديات السياسية والفكرية، في القرن الواحد والعشرين، ومحاولة منهم لتلافي أخطاء ماضية، ورغبة في التجديد. من كتابين رئيسيين:
الأول: المنطلقات الفكرية والنظرية، التي تشكل خلفية المشروع.
الثاني: سياسات المشروع والبرنامج العملي.
والمشروع بأكمله موجود على الموقع الإلكتروني لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا؛ لذلك نفضل هنا إبداء ملاحظتين عليه، بدلاً من عرض أفكاره المتيسرة للجميع، والتزاماً بالمساحة المعطاة لكتابة هذا البحث.
بالنسبة لمرجعية الفكر السياسي الإخواني، يشير المشروع إلى أن «الشريعة الإسلامية في مصدريها الخالدين: الكتاب والسنة، هي مصدر رؤيتنا لصياغة مشروع حضاري».
بالنسبة «للكتاب»، فإننا نعتقد بأنه ليس تحليلاً سياسياً، ولا فلسفة أو نظريات سياسية، كما أن النبي العربي، ليس كاتباً أو مُنظراً ومؤلفاً للعديد من الأعمال السياسية، فهو قائد سياسي، ربما من طراز نادر، ولكنه لم يكن مُنظراً سياسياً، كما تريد له جماعات الإسلام السياسي.
والمشكلة الثانية الفكرية السياسية أمام «الإخوان»، أن مصدرها ليس داخل العقل، بل داخل الوحي، فهي من مصدر غريب عن هذا العالم، وعن الإنسان الباحث عن اكتشاف محيطه، إنها تأتي من الله «صاحب السيادة»، فكيف نغير ونقوم بالإصلاح والتجديد -كما يدعي الإخوان- لكلام مرسل إلينا من السماء.
من جهة أخرى، هناك تناقض كبير بين المرجعيات الفكرية السياسية الدنيوية والأخرى اللاهوتية، فالعقل عندما يرتقي ويرتفع إلى البحث عن المتعالي والسماوي، نراه ينتج ويبدع، ثم يحقق سلاماً وأمناً، ولكن العقل المنتمي مسبقاً إلى كلام مُنزلٍ هو مضطر ومرغم؛ ليكون «فعل ثقة»، بمعنى آخر التسليم بلا مناقشة، والابتعاد عما يدركه العقل، أو يمكن أن يدركه، فالحركات الدينية هي خضوع من غير تذمر لأوامر الله، التي تدعي هذه الحركات أنها تفهمه، وبالتالي خضوع المجموع لها بلا تذمر؛ لأننا نحن البشر مجرد مخلوقات ضعيفة، خاضعة أمام أزلية وأبدية الله، وسنكون كذلك في حالة وصول هذه الحركات إلى السلطة، حيث نعتقد أن الإخوان المسلمين ليس لديهم ما يقدموه، كإضافة على الجمهورية «الإسلامية» الإيرانية.
وأيضاً المسلمون في دولة «الإخوان» هم ملزمون بالخضوع والالتزام بمجموعة من الأحكام المنزلة إليها، وهي ذات طابع ديني شامل، يدير الحياة العامة والخاصة، على حساب المساحة المتبقية للنقاش والحوار، ففي دولة دكتاتورية، ربما يستطيع الفرد أن يتمتع بحرية دينية وليس سياسية، أما في دولة الإخوان، فلا حرية دينية، ولا حرية سياسية.
بمعنى آخر، ليس في التشريع الماورائي أو الميتافيزيقي قانون مدني أو قانون دستوري، يقبل النقاش أو التجديد؛ فالانتماء الروحي أو الإيماني، الذي كلف «الإخوان» أنفسهم برعايته وحمايته، يسجل ضمن ما يمكن أن نسميه: «العمل الكنسي» للإسلام السياسي يراقب المؤمنين، وهم يعيشون في «الزمني»، وليس «الروحي»، والمشكلة هنا أن من يريد العمل كوكيلٍ أو منتدب عن «الروحي»، فالزمني ليس من تخصصه، بل عليه في فكره السياسي أن ينتمي على الأقل إلى مجتمعات تاريخية وسياسية، وليس مرجعيات غيبية.
في هذه الحالة، ما زالت معضلة «الإخوان» قائمة من غير حل، ولا نعتقد أنهم سيصلون إليه قريباً، فلا بد إذن من إعادة التفكير، في ما هو «سياسي»، وفي ما هو «ديني»، أو بشكل آخر للقول: تحديد طبيعة عملهم، هل ينتمي إلى الزمني أم إلى الروحي؟ فلا يمكنك الجمع بين العمل؛ من أجل الخلاص الروحي، وإدارة البورصة، وصناديق الاقتراع، في لحظة واحدة.
يستخدم «الإخوان» مصطلحات سياسية، تنتمي جميعها إلى حضارات وثقافات أخرى: «مواطنة»، «ديموقراطية»، «تعددية»، «تمثيلية»، وفي الوقت نفسه يحتفظون باسمهم التاريخي: «الإخوان المسلمون»، وهذا يتعارض مع استخدام هذه المصطلحات؛ لذلك مشروعهم السياسي، استند كبقية الأحزاب السياسية العربية إلى مفاهيم تم سلخها عن سياقها التاريخي، والاجتماعي، والسياسي.
بمعنى آخر، كيف يمكن الاستناد إلى المواطنة والديموقراطية، كمرجعية سياسية فكرية لحزب سياسي، يعبر عن جماعة دينية أو طائفية، فأية مواطنة يُنادي بها حزب أو تيار سياسي، مؤلف فقط من الذكور، ومنذ نشأته؛ لم نلحظ دوراً محورياً أو مهماً للمرأة في هذا الحزب! وكيف تبني حركة سياسية مشروعها الديموقراطي وتطالب بالتغيير، بينما زعيمها أو «أمينها العام»، يبقى في مكانه، ويعاد «انتخابه» بشكل دائم!
فيما تبقى من المشروع، فإنه يتطابق إلى حد بعيد، مع بيان «الثورة الإسلامية في سوريا ومنهاجها» 9/11/1980، وفي جميع المجالات التي يتطرق إليها، مع الاعتراف هنا بأن «الجماعة» مالت قليلاً أو أكثر من الماضي، نحو الإقرار بوجود أكثر من خلفية ثقافية، تاريخية وحضارية للشعب السوري، كما أنها حاولت جاهدة التركيز على الدولة المدنية، دولة المؤسسات والقوانين.
ولكن، في اعتقادنا الشخصي، تبقى أية حركة سياسية في سوريا، لها مرجعية طائفية، تشكل حالة غير صحية؛ بسبب عدم القدرة على توفير ضمانات دائمة، أن هذه الحركات لن تتحول في لحظة معينة إلى حركات مسلحة تستخدم العنف، لاسيما أن مفهومها «للجهاد»، هو مفهوم فضفاض، ويمكن للكثيرين الاستفادة منه؛ بنية حسنة أو غير ذلك.
كذلك بالنسبة للحركات السياسية، ذات المرجعية العرقية والدينية؛ فجميعها تشكل خطراً على بناء المجتمع المدني ودولة القانون، وكما ذكرنا سابقاً؛ لأن مرجعياتها ليست من هذا العالم، فهي تنتمي إلى عالم لا نعرفه بشكل مباشر، بل هذه الحركات تعتبر نفسها وصية أو وسيطاً؛ للحصول على هذه المعرفة، ووكيلاً سماوياً مكلفاً بمراقبة تطبيقها، في النهاية لكل فرد، أو جماعة، الحق المطلق في التعبير عن الرأي، لاسيما السياسي منه، أما الاختلاف في الرأي، فلا يعطينا الحق في إقصاء صاحبه، وحرمانه من العيش والوجود.

*ملخص مِن بحث صلاح نيوف ‘خريطة معرفية للإسلام السياسي في سوريا’ ضمن كتاب المسبار 32 أغسطس 2009 ‘الإخوان المسلون في سوريا’ الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى