إذاعة دمشق : 68 سنة وتعيش مع أولادها في بناء واحد! والمخرج شاكر درويش زعلان !
هناك علاقة خاصة بين السوريين والراديو، إلى الدرجة الذي يعتبر الراديو من الأثاث الضروري في كل بيت رغم ظهور التلفزيون ووسائل التواصل ، ومع انتشار السيارات تجددت العلاقة مع الراديو الذي يفتح في كل سيارة منذ اللحظة الأولى لركوب سائقها فيها ..
كان السوريون، يفتحون الراديو فجرا على موسيقى ذات نكهة خاصة تتكرر كل يوم هي للموسيقار العالمي (( أمير البزق)) محمد عبد الكريم، وما أن تنتهي هذه الموسيقى الساحرة حتى يتعالى صوت النشيد الوطني السوري، ثم آيات من القرآن الكريم ..
وهكذا تفتتح العلاقة اليومية بين الراديو وبين الناس، ورغم دخول إذاعات كثيرة على الخط لمنافسة هذه الإذاعة إلا أنها ظلت ذاكرة مهمة للسوريين ، والطريف أن السوريين كانوا يتابعون أخبار الانقلابات من الراديو فيذهبون بالمؤشر إلى إذاعة لندن أو إذاعة إسرائيل ليعرفوا هوية الانقلاب وتفاصيله، فيما يجلس العاملون في الإذاعة من مذيعين ومحررين وفنيين تحت الطاولات ريثما تنتهي المعركة العسكرية حول المبنى ويفوز أصحاب البيان الأول في الانقلاب العسكري، وفي ذاكرة المعمرين فيها أن الرائد سليم حاطوم قائد اللواء المسؤول عن حمايتها في مطلع الستينات كان يقيم في مكتب خاص به معروف إلى الآن في الطابق الأول، ويستخدم الآن كمستودع ، وكان يتدخل في الصغيرة والكبيرة حتى في أداء المطربات .. إلى أن جاء عام 1970، وحسم الرئيس حافظ أسد كل الصراعات والانقلابات إلا الصراع مع الإخوان المسلمين الذي لم ينته بعد، وهؤلاء لم يقوموا بأي انقلاب بل كانوا يخوضون حروبا داخلية !..
إذاعة دمشق تحتفل في مطلع شباط من كل عام بعيدها السنوي، فقد انطلق بثها لأول مرة في الرابع من شباط عام 1947 ، وكان الأمير يحيى الشهابي أشهر مذيع سوري صوتها الأول ، ومنها انطلقت أصوات فنانين كبار سوريين وعرب وكان ظهور الصوت في إذاعة دمشق بطاقة ((كرت بلانش)) إلى الشهرة والمجد ..
ومن المهم في تاريخ الإذاعة أنها أطلقت أسماء كبرى في الأدب والسياسة والفلسفة والإعلام والدبلوماسية ، وفي اهتمام لافت قال عمران الزعبي وزير الإعلام في مقابلة معها إن إذاعة دمشق كانت وستبقى إذاعة كل العرب لأنها إذاعة السوريين الذين حملوا راية العروبة على الدوام. وستبقى الإذاعة الأم التي حافظت على الهوية وتطورت في سياق هذه الهوية على مستوى البرامج والأداء والخبرات المكتسبة الكوادرو يؤكد الوزير أن أهم الكوادر التلفزيونية والإعلامية في سورية تخرجت من إذاعة دمشق ليس في سورية فحسب وإنما خارج سورية أيضا لذلك فإن من واجبنا الحفاظ على هذه الإذاعة وتطويرها باعتبارها الإذاعة الأم بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى على مستوى العمل المؤسساتي وتدريب الكوادر..
ظهرت إذاعات كثيرة من الإذاعة الأم ، وهي تعمل الآن بروحيتها ، ومن تلك الإذاعات :
إذاعة صوت الشعب ومديرها المذيع موسى عبد النور .
إذاعة صوت الشباب ومديرها المذيعة سلوى الصاري.
إذاعة سوريانا ومديرها الصحفي وضاح الخاطر.
اهتز مبنى إذاعة دمشق الذي هو الآن مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون عدة مرات نتيجة القصف الإسرائيلي والارهاب الداخلي ، وتعرض خلال الأزمة الكبيرة لعشرات أو مئات قذائف الهاون والكاتيوشا بل إنه ضرب بعدة سيارات مفخخة كان آخرها سيارتان مفخختان متتاليتان استهدفت المبنى من الجهة الغربية وفشلتا إلا في تحطيم زجاج واجهته !
انشغل العاملون في الإذاعة عن عيدها، ولم نقرأ مشاركات مهمة على صفحات العاملين فيها . فالزمن تغير والناس تغيروا وحميمية العمل الإعلامي تراجعت، إلا أن أحد العاملين فيها رغم تقاعده، وهو المخرج المبدع والمعروف شاكر راشد درويش كتب كلاما مهما جدا على صفحته في الفيس بوك، ربما ستقف عنده الإدارة الإعلامية في سورية عندما تحاول إعادة بناء الإعلام أو تجديده حيث يقول بعفوية نوردها كما جاءت مع الهفوات :
بالأمس القريب ومنذ ( 47 ) عام فقط .. دخلت إلى إذاعة دمشق فتى يافعا نشيطا محبا للراديو متابعا للإذاعة وفي دائرة التسجيلات الإذاعية عملت ومن الصفر بدأت مساعد فني و تدرجت و تدحرجت في العمل الفني الإذاعي سنين و سنين و صرت مخرج إذاعي بعد دأب و تعب ممتع وإكتسبت الخبرات و روضت نفسي على العطاء والإبداع والحمد لله استطعت أن أشبع ما في نفسي من هوايتي في العمل الفني تسجيل و مونتاج و إخراج .. وعاشرت الزملاء والأصدقاء والخلان وكثير منهم من ودعنا إلى العالم الآخر . . ومنهم من غادر إلى عالم آخر … وبقيت مع الزملاء والأصدقاء الذين أكن لهم كل الحب والمودة والإخلاص … ونرى الآن بيننا أشخاص لا نعلم من أين أتوا ولا نعلم ماذا يفعلون بالإذاعة .. ينظرون إلينا باستعلاء لا يلقون التحية علينا و يمشون بخيلاء و يظنون أنهم عظماء … الآن نحن الأغراب في المكان الذي هو من أنفسنا قريب ومن روحتا لصيق ….
وكانت إذاعة دمشق قد بدأت بثها عند الساعة السابعة من صباح الرابع من شباط عام 1947 بمعدل ست ساعات يوميا وأطلق المذيع الأول فيها يحيى الشهابي العبارة التالية:
” هنا الإذاعة السورية من دمشق إذاعة كل العرب.”