في آذار 2011، كانت آخر زيارة للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى العراق، عندما كان حينها رئيساً للوزراء قبل اعتماد النظام الرئاسي في بلاده. وتأتي زيارته الجديدة إلى هذا البلد غداة تدشينه ولاية رئاسية ثالثة بدأها بسلسلة من الجولات الخارجية، وأبرزها إلى دول عربية كالسعودية والإمارات وقطر.
وأشار بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، الثلاثاء الماضي، إلى أن رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، بحث مع السفير التركي لدى بغداد، علي رضا كوناي، ملفّات عدّة من بينها الزيارة المرتقبة ل إردوغان إلى العراق، فيما لم يصدر أيّ تعليق من الجانب التركي حتى الآن بشأن موعد الزيارة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الجانب العراقي الذي لم يعلن موعدها الرسمي.
ولتركيا تاريخ طويل من العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية مع العراق، والتي تطغى عليها منذ سنوات ملفّات شائكة كوجود القوات التركية في إقليم كردستان بذريعة ملاحقة «حزب العمال الكردستاني» وشنّ عمليات عسكرية ضدّ مقاتليه، وقضية المياه التي تتّهم بغداد دائماً أنقرة بحجب حصّتها منها، فضلاً عن القطاع الاقتصادي والتجاري الكبير بين الجانبَين. ويستورد العراق معظم حاجته من السلع والبضائع من دول الجوار، وخاصة تركيا، التي يصل حجم المستوردات منها سنوياً، بحسب «هيئة الإحصاء التركية»، إلى نحو 20 مليار دولار وفقاً للتقديرات الرسمية.
وتبسط تركيا نفوذها العسكري، منذ سنوات، على مناطق عدّة في شمالي العراق، فيما تنشر عشرات القواعد والثكنات العسكرية على الحدود العراقية – التركية، وتحديداً على بعد 200 كيلومتر تقريباً من الحدود التركية في الداخل العراقي، وهو ما تنتقده الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003. كذلك، يعاني العراق أزمة مياه شديدة أدّت إلى خسارة البلاد 70% من مساحاتها الخضراء، ونفوق مئات الأطنان من الأسماك، الأمر الذي أثار مواقف شعبية وسياسية ضدّ تركيا بسبب تقليص الحصّة المائية العراقية وبناء السدود في الدولة الجارة. وبناءً عليه، فإن أبرز الملفات التي ستتناولها الزيارة، وفقاً لمصادر حكومية عراقية، هي: الاقتصاد، والأمن، وتصدير النفط، ومشروع «طريق التنمية»، والمياه، والتبادل التجاري، في حين تتوقّع مصادر سياسية أن تشمل الزيارة نقاشاً حول الخلافات داخل المكوّن السنّي، ولا سيما التي تتعلّق بالزعامات.
وعن أولويات زيارة الرئيس التركي للعراق، يقول مصدر حكومي عراقي، لـ«الأخبار»، مشترطاً عدم ذكر اسمه، إن «الزيارة مهمّة على الصعد كافة، ولا سيما في القضايا المرتبطة بمصلحة البلدين كالمياه وتصدير نفط إقليم كردستان عبر ميناء جيهان، والذي توقّف منذ شهرين تقريباً، إثر دعوى قضائية رفعها العراق عام 2018 في محكمة التحكيم الدولية». ويضيف أن الحكومة العراقية الحالية تميل في سياستها إلى التهدئة، ولا سيما في علاقاتها الإقليمية بشكل عام، ومع تركيا بشكل خاص، والتي شابتها بعض التوترات بسبب القصف الجوي التركي ضدّ المدنيين في قرى وبلدات كردستان، بذريعة ملاحقة «حزب العمال الكردستاني» الذي يُعتبر العدو اللدود لأنقرة. ويشير المصدر الحكومي إلى وجود نية حكومية للتفاوض بشأن حصّة المياه، وإنهاء الأزمة الحاصلة، فضلاً عن مناقشة مشروع «طريق التنمية» الذي يمرّ عبر تركيا إلى أوروبا. ويخلص المصدر إلى أن «العراق بحاجة إلى مثل هذه الزيارة، كونها تحمل ملفّات استراتيجية قد تجعله مستقراً خلال السنوات المقبلة».
من جانبه، يعتقد الباحث العراقي في الشأن التركي، عمر عبد الستار، أن أهمّ قضية قد تتناولها الزيارة هي الأمن المائي، خاصة بعد الجفاف الذي ضرب نهرَي دجلة والفرات، ونزوح عشرات العائلات بسبب العطش و«قطع المياه من قِبل تركيا وإيران». ويبيّن عبد الستار، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «من ضمن أسباب قطع الجانب التركي للمياه، رفع بغداد شكوى ضدّ أنقرة بسبب تصدير النفط عبر ميناء جيهان، وهذه المشكلة ينبغي على الجانب العراقي مناقشتها ومعالجتها على هامش زيارة الرئيس التركي لبغداد».
ويقلّل عبد الستار من قدرة حكومة بغداد على التفاوض وعقد الاتفاقيات مع أنقرة، ولا سيما في الملف المائي، وعلاقة بغداد بأربيل لناحية تواجد «حزب العمال الكردستاني» وفصائل مسلّحة أخرى. وحول مشروع «طريق التنمية» (القناة الجافة)، يرى أنه يحتاج إلى «إرادة سياسية حقيقية في العراق، وليس ملونة، كي لا يُفرَّغ المشروع من جدواه وأهدافه». مع ذلك، يأمل عبد الستار استثمار الزيارة كونها مهمّة واستراتيجية، خاصة بعد مشاركة إردوغان في قمة «الناتو»، وأيضاً «زياراته إلى السعودية والإمارات وقطر، والتي تنسجم مع مساعي العراق للاندماج مع محيطه الإقليمي، بعيداً عن السياسات التي أكلت لحم الأمن العراقي وتركته عظماً».
بدوره، يلفت المحلّل السياسي التركي، جواد كوك، إلى أن العراق وتركيا تربطهما علاقات وطيدة، خاصة في الاقتصاد والتبادل التجاري، مذكّراً بأن هذه العلاقة أصابتها بعض التوترات خلال الفترة الأخيرة، ومن كلتا الدولتين. ويشير كوك، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن هنالك ملفّات مهمّة تنتظر الحلّ كالأمن ووجود «حزب العمال الكردستاني»، وتأمين الحدود التركية المحاذية للعراق، فضلاً عن ملفّ المياه والغاز والنفط والذي يحتاج إلى حوارات جادّة بين الجانبين. ويبيّن أن «العراق هو أكبر الشراكات الاقتصادية في المنطقة لتركيا، كونه سوقاً حيوية للتبادل التجاري والاستثمارات، التي تُعتبر مناطق جذب مهمّة للشركات التركية في مجالات متعدّدة، كالمقاولات والعقارات والبناء»، مضيفاً أن تركيا تحتاج إلى المال في ظلّ أزمة ارتفاع الأسعار، فضلاً عن حاجتها إلى تعاون اقتصادي قوي مع دول عربية كالسعودية وقطر والإمارات، وسعيها لتحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية مع العراق.