إردوغان ونتنياهو.. الأقربون أولى بالمحبة
بات واضحاً أن العلاقة بين إردوغان ونتنياهو ستكتسب طابعاً مثيراً نظراً إلى تطوراتها المحتملة والسريعة، خلافاً للعلاقة التي تمناها إردوغان مع الرياض وأبو ظبي.
من جديد، عاد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى حديثه التقليدي عن احتمال المصالحة مع الرئيس الأسد، وتوقع أن يتم ذلك بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في حزيران/يونيو المقبل، وهو ما توقعه للعلاقة مع مصر أيضاً، وذلك قبل ساعات من الاتصال الهاتفي الذي تلقاه من رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلّف بنيامين نتنياهو، الذي عزّاه بضحايا الانفجار الذي وقع في إسطنبول.
وفي المقابل، عزّى إردوغان نتنياهو بمقتل المستوطنين اليهود على يد الشباب الفلسطيني، وكأنَّ “إسرائيل” لا تستهدف يومياً هؤلاء الشباب أو كأنها لم تقتل أكثر من 200 فلسطيني وفلسطينية منذ مطلع العام الجاري.
بات واضحاً أن العلاقة بين إردوغان ونتنياهو، التي تحدثت عنها في مقالي الأخير بعنوان “إردوغان ونتنياهو.. ما القاسم المشترك بينهما؟”، ستكتسب طابعاً مثيراً نظراً إلى تطوراتها المحتملة والسريعة، خلافاً للعلاقة التي تمناها إردوغان مع الرياض وأبو ظبي، بعدما “خذله” الرئيس السيسي، على الأقل حتى الآن، بسبب الخلاف على ليبيا.
إردوغان الَّذي تبادل الزيارات مع محمد بن سلمان ومحمد بن زايد كان أكثر حماسةً ورغبة في علاقته مع “تل أبيب”. لقد التقى الرئيس التركي ووزراؤه جميع مسؤوليها، بدءاً من الرئيس إسحاق هرتسوغ ورئيس الوزراء السابق يائير لابيد والأسبق نفتالي بينيت، وانتهاءً بوزير الأمن بيني غانتس، من دون أن يهمل العلاقة بقيادات اللوبي اليهودي في أميركا، الذين يرى فيهم مفتاح التنسيق والتعاون، بل التحالف المستقبلي، مع “تل أبيب” في ظلّ حكومتها العنصرية والدينية والفاشية والصهيونية.
في جميع الحالات، ستكون كلّ هذه المعطيات كافية للرئيس إردوغان بعد اتصال نتنياهو به ليقرر موعد زيارته “تل أبيب”. وقد يكون الزعيم الأجنبي الأوّل الذي سيحلّ ضيفاً عليه بعد إعلان حكومته، كما كان الزعيم الإسلامي الأول الّذي منحته منظّمات اللوبي اليهودي في أميركا “وسام الشجاعة السياسية بسبب عواطفه الصادقة تجاه اليهود وإسرائيل”، التي زارها في أيار/مايو 2005.
على أي حال، ومهما قال “العدوّان اللدودان”، إردوغان ونتنياهو، عن بعضهما بعضاً، مما يقال ولا يقال، ما دمنا نعيش في الشرق الأوسط، فقد بات واضحاً أن هذه الزيارة ستكون قريبة جداً ما دام “الأقربون أولى بالمحبة”، مع التذكير بأنَّ دمشق أقرب إلى “تل أبيب” جغرافياً من أنقرة!
ربما لهذا السبب قال إردوغان “إن الحوار مع دمشق والقاهرة، والمصالحة مع الأسد بالذات، مؤجلة إلى ما بعد الانتخابات في حزيران/يونيو القادم”، وكأنه يريد أن يقول “إنَّ الغرام مع اليهود مقدم ومستعجل، ومع العرب والمسلمين مؤخر ومؤجل”، ما دام بحاجة إلى دعم اللوبيات اليهودية له ولتركيا حتى موعد الانتخابات.
ويعرف الجميع أنه سيستنفر كل إمكانياته وعلاقاته داخلياً وخارجياً للفوز في هذه الانتخابات، ليبقى وتركيا عنصرين أساسيين في مجمل تطورات المنطقة، وهذه المرة بعد أن يتخلص من معارضيه السياسيين والإعلاميين، لأنهم يتهمونه بانتهاج سياسات خطرة في علاقات تركيا الخارجية، وخصوصاً في سوريا.
وربما لهذا السبب قال زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، وبعد ساعات قليلة من تصريحات إردوغان الأخيرة: “فور استلامنا السلطة، سنفتتح السفارة في دمشق، وسنعود إلى الحوار المباشر مع الدولة والحكومة السورية المشروعة من أجل حلّ كل المشاكل المعلقة، وفي مقدمتها قضية اللاجئين السوريين في تركيا، وسنعيدهم إلى بلادهم خلال فترة أقصاها عامان، وذلك بالتنسيق مع دمشق وبالتعاون معها”.
في المقابل، يبدو واضحاً أنَّ اتصال نتنياهو بإردوغان يعكس بكل وضوح رغبة الكيان الصهيوني بحكومته الجديدة في تطوير العلاقة مع أنقرة وتحقيق نقلة نوعية وإستراتيجية فيها على حساب علاقات إردوغان المحتملة مع العواصم العربية، وإن كانت علاقة بعض هذه العواصم جيدة مع “تل أبيب”.
كما أنَّ استعجال نتنياهو الاتصال بإردوغان، على الرغم من العداء الشخصي التقليدي بينهما سابقاً، كان مهماً أيضاً بسبب توقيته الزمني الذي يصادف التحرك الإقليمي والدولي ضد إيران لتضييق الحصار عليها، ليس إعلامياً فحسب بسبب تحركات الشارع، بل أيضاً من خلال الأعمال الإرهابية التي بات واضحاً أن العواصم الغربية و”تل أبيب” وعواصم خليجية استعدَّت لها منذ فترة طويلة، بعدما فشلت معاً في جميع مشاريعها ومخططاتها في سوريا ولبنان واليمن والعراق.
ويعرف الجميع أن هذه الدول، تُضاف إليها ليبيا والصومال ودول عربية أخرى، تحظى باهتمام الرئيس إردوغان، ليس سياسياً وعسكرياً وأمنياً فحسب، بل عقائدياً أيضاً، أي إخوانياً، على الرغم من تعهداته للسعودية والإمارات ومصر و”إسرائيل” بقطع العلاقة مع الإسلاميين بتسمياتهم كافة، وكأنَّ المجموعات المسلحة، المعتدلة منها والمتطرفة، الموجودة في سوريا وليبيا، ليست تحت المظلة الإخوانية، علماً أنها كانت، وما زالت، ضمن دائرة الاهتمامات التركية، مهما اعترض السيسي على ذلك، وخصوصاً بعد فشل القمة العربية بسبب مواقف الأنظمة الخليجية، وفي مقدمتها موقف محمد بن سلمان.
ونذكر جميعاً أن ابن سلمان، “وبذكائه”، لم يشارك في قمة الجزائر بناءً على توصية أطبائه الذين يبدو أنهم كانوا في إجازة عندما توجه بطائرته إلى بالي الإندونيسية التي تبعد عن الرياض ضعف المسافة بين الرياض والجزائر.
ويبقى الرهان الأخير على تطورات الوضع في أوكرانيا، نظراً إلى انعكاساتها على علاقة الرئيس إردوغان بالرئيس بوتين ومناورات الأول الدولية والإقليمية في ظلّ غياب الاهتمام العربي والدولي بالأزمة السورية التي باتت في عالم النسيان، وهي حال العراق وليبيا واليمن أيضاً، وحتى لبنان، وكأن الجميع يراهنون على مستقبل السيناريوهات المحتملة في إيران، ويعرفون أن من كتبها ونفذها في سوريا يريد أن يكررها في إيران، وهي جارة لتركيا، حالها حال سوريا والعراق، ولإردوغان حساباته الخاصّة فيها معاً منذ ما يسمى “الربيع العربي”، عندما تحدَّث عن ضم الشمال السوري والعراقي إلى تركيا، بذريعة أنها جزء من خارطة الميثاق الوطني لعام 1920، “وعلى التاريخ أن يكرر نفسه”، وفق كلامه، وهو الذي قال ما قاله وفعل ما فعله خلال السنوات الماضية ليحقّق هذا الهدف فقط، وربما ما زال يفكّر في الطريقة نفسها حتى الآن.
في جميع الحالات، عمّت الفرحة في “تل أبيب”، ليس للتطبيع مع أنقرة فحسب، بل لأنها كانت، وما زالت، أكبر مستفيد من أقوال الرئيس إردوغان وأفعاله طيلة السنوات العشر الماضية، بعدما أضاءت أنظمة الخليج له الضوء الأخضر منذ البداية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وما زالت تفعل ذلك الآن أيضاً!
الميادبن نت