إردوغان وهرتسوغ.. العلاقة بـ”إسرائيل” غرام قاتل!
الإعلام الإسرائيلي أكد زيارة اسحاق هرتسوغ إلى تركيا وقال إن الأخير، الذي سبق لإردوغان أن اتَّصل به مرتين قبل الآن، تلقّى دعوة رسمية من أنقرة وسيلبّيها قريباً.
اعترف الرئيس التركي إردوغان، الثلاثاء الماضي، بتواصله مع رئيس الاحتلال الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، متوقعاً له أن يزور تركيا قريباً.
الإعلام “الإسرائيلي” أكد هذه المعلومة، وقال إن هرتسوغ، الذي سبق لإردوغان أن اتَّصل به مرتين قبل الآن، تلقّى دعوة رسمية من إردوغان وسيلبّيها قريباً.
إردوغان، الذي سبق له أن تحدث أيضاً هاتفياً إلى رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينيت، أشار إلى استمرار الاتصالات به، في الوقت الذي تحدثت المعلومات عن حديث مطوّل بين وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو ونظيره الإسرائيلي لابيد (الخميس) من أجل التحضير لزيارة هرتسوغ لتركيا قريباً جداً، على أن يردّ إردوغان على هذه الزيارة فوراً (مقالي في الـ27 من كانون الأول/ديسمبر، بعنوان: إردوغان 2022.. البقاء في سوريا وليبيا والمصالحة مع “إسرائيل”).
وقبل أن نفسّر هذا التطور المفاجئ في الموقف التركي تجاه “العدو اللدود إسرائيل”، لا بد من العودة قليلاً إلى صفحات التاريخ، بعد قيام الكيان العبري الصهيوني في أرض فلسطين العربية المسلمة.
تركيا هي الدولة الإسلامية الأولى التي اعترفت بهذا الكيان، في آذار/مارس 1949، بعد عشرة أشهر من “قيامه”.
وتركيا هي الدولة الإسلامية الأولى التي زارها بن غوريون في آب/أغسطس 1958، أي بعد ثورة 14 تموز/يوليو في العراق، وقيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا، والتقى رئيسَ وزرائها عدنان مندريس سراً.
وتركيا هي الدولة الإسلامية، التي سمحت لواشنطن باستخدام قواعدها ضد لبنان والأردن عام 1958، ثم خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وتركيا هي الدولة الإسلامية الأولى التي وقّعت عام 1996، في عهد حكومة الإسلامي أربكان، اتفاقيةً للتعاون العسكري مع “إسرائيل”، قامت بموجبها “تل أبيب” بتحديث الطائرات والدبابات التركية.
وتركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة، التي سمحت لطائرات الاحتلال الإسرائيلي بالتحليق في أجوائها عندما قصفت موقعاً قيل إنه محطة نووية قرب مدينة دير الزور السورية، في أيلول/سبتمبر 2007.
وتركيا هي الدولة الإسلامية الأولى والوحيدة، التي حصل رئيس وزرائها (إردوغان) على أوسمة “الشجاعة السياسية” من منظمات اللوبي اليهودي في عامي 2004 و2005.
وتركيا هي الدولة الإسلامية الأولى، التي زار رئيس وزرائها (إردوغان) القدس المحتلة، ليحلّ ضيفاً على شارون، الذي رحَّب به قائلاً “أهلاً وسهلاً بك في العاصمة الأبدية لإسرائيل”.
وتركيا هي الدولة الإسلامية الأولى، التي تحدّث رئيس الاحتلال الإسرائيلي (بيريز) في برلمانها في تشرين الثاني/نوفمبر 2007.
وتركيا هي الدولة الإسلامية، التي لم تتضرَّر علاقاتها الاقتصادية والتجارية والسياحية بـ”إسرائيل” أبداً، على الرغم من المَدّ والجَزْر في العلاقات السياسية بها.
وتركيا هي الدولة الإسلامية، التي سمحت في أيار/مايو 2010 لـ”إسرائيل” بالانضمام إلى منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD) لأنها لم تستخدم حق الفيتو ضد ذلك، كما لم تستخدم هذا الحق في أيار/مايو 2016 ضد انضمام “إسرائيل” إلى الحلف الأطلسي كمراقب.
وتركيا هي الدولة الإسلامية، التي أسقطت كل الدعاوى المقامة في المحاكم التركية والدولية ضد “إسرائيل”، التي قتلت 10 من الأتراك في أيار/مايو 2010، عندما كانوا على متن سفينة الإغاثة الإنسانية “مرمرة”، فتبرّعت “تل أبيب” لذويهم بعشرين مليون دولار.
وتركيا هي الدولة الإسلامية، التي أدّت الدور الأساس في إقناع خالد مشعل بإغلاق مكاتب “حماس” ومخيَّماتها في سوريا، أو إجباره على ذلك، فخرج منها ليتآمر على دمشق، عبر شعارات دينية طائفية لم تخدم سوى “إسرائيل”. وهو ما فعلته كل الفصائل التي قاتلت الدولة السورية، وما زالت، وهي التي بايعت الرئيس إردوغان زعيماً إسلامياً يتغنّى بأمجاد الخلافة والسلطنة العثمانيتين.
وتركيا، باسم الإسلام والمسلمين، هي الدولة الإسلامية، التي هدّدت “إسرائيل” وتوعَّدتها في أكثر من مناسبة، وأهمها إعلان ترامب القدس المحتلة عاصمة ليهود العالم، بحيث دعا إردوغان، بصفته رئيس منظمة التعاون الإسلامي، الزعماء المسلمين إلى قمتين عاجلتين لم يحضرهما إلاّ عدد قليل من الزعماء، ولم تخرجا بأيّ قرارات عملية وحاسمة ضد أميركا و”إسرائيل”، وبقي إردوغان حليفاً استراتيجياً لترامب على الرغم من معاملته السيئة له شخصياً.
وتركيا هي الدولة الإسلامية، التي هدّد زعيمها إردوغان وتوعَّد، في أكثر من مناسبة، “إسرائيل” وزعماءها، كما هي الحال مع بيريز في دافوس أو نتنياهو، لكن من دون أن يتخذ أي موقف عملي ضدهم في أي موضوع، فلسطيني أو تركي أو إسلامي.
وتركيا هي الدولة الإسلامية غير العربية التي هدَّدت وتوعّدت الإمارات وكلَّ من طبًع مع “إسرائيل”، إلاّ أنها لم تتأخَّر في التطبيع والتعاون والتحالف مع هذه “الدولة” العبرية بعد أن اتصل إردوغان برئيسها ليقول له “إن التنسيق والتعاون مع إسرائيل ضروريان ومهمّان من أجل أمن المنطقة واستقرارها”، ومن دون أن يكون واضحاً ضد من سيكون التنسيق والتعاون هذان، ولاحقاً التحالف!
وتركيا هي الدولة الإسلامية، التي لم تكتفِ بذلك، فنسيت، بل تناست كل ما قالته بشأن دول التطبيع، فاستعجلت في المصالحة مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وقريباً مع السعودية.
وتركيا هي الدولة الإسلامية غير العربية، التي ستكون الدولة الأولى التي سيزورها رئيس الاحتلال الإسرائيلي هرتسوغ، وبعده رئيس الوزراء بينيت، ليرد إردوغان على هاتين الزيارتين، بحسب تطورات المنطقة، وأهمها مصير الاتفاق النووي الإيراني.
والدولة الإسلامية تركيا، التي قيل إن إلهام علييف رئيس أذربيجان الإسلامية، واليهودي زيلينسكي رئيس أوكرانيا، توسّطا بينها وبين “إسرائيل”، قد لا تحتاج قريباً إلى أحد في علاقاتها بـ”تل أبيب”. ويفسّر ذلك مساعيها للوساطة بين اليهودي زيلينسكي والرئيس بوتين (إردوغان سيزور موسكو وكييف قريباً)، الذي يحرص هو أيضاً على علاقاته بـ”إسرائيل”. ومن دون أن يتذكّر أحد، وفي المقدمة الروس، أن إردوغان رفض “ضم شبه جزيرة القرم لروسيا”، وأعلن دعمه الأقلية التركية المسلمة في القرم، وأيّد انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي بعد أن باع طائراته المسيَّرة لكييف على الرغم من استنكار موسكو ذلك.
في الوقت، الذي لم ولا تهمل أنقرة علاقاتها بالحليفة التقليدية واشنطن، التي يسعى إردوغان لكسب ودّ اللوبيات اليهودية فيها بعد أن التقى عدداً من الحاخامات اليهود في إسطنبول في نهاية العام الماضي، وتربطه علاقات وطيدة بقيادات اللوبيات المذكورة.
يفسّر كل ذلك الهدوء الذي يخيّم على علاقات واشنطن بأنقرة، بعد أن أغلق الطرفان ملف صواريخ “أس-400” ودخلا في حوار جديد بشأن موضوع طائرات “أف-35″، بينما لم تعد أنقرة تهاجم واشنطن بسبب دعمها الميليشيات الكردية شرقيّ الفرات. كما أعلنت واشنطن اعتراضها على مشروع نقل الغاز “الإسرائيلي” والقبرصي بواسطة أنابيب تمتدّ من جنوبيّ قبرص إلى جزيرة كريت، ومنها إلى اليونان، ثم إيطاليا فأوروبا. وسيشجّع ذلك، من دون شكّ، “إسرائيل” على الحديث بشأن هذا الموضوع مع تركيا التي تسعى لاتفاق معيّن مع واشنطن وبعض عواصم الاتحاد الأوروبي من أجل حل القضية القبرصية بعد التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود مع “إسرائيل” كتلك التي وقعت عليها مع حكومة الوفاق الليبية في تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
وسيدعم ذلك، من دون شكّ، استراتيجيات “إسرائيل”، التي ترى في قبرص بوابتها الوحيدة للنجاة من أيّ اجتياح عربي/إسلامي لفلسطين، ولو بعد مئات السنين.
ويفسّر ذلك اهتمام اليهود، بدءاً بعهد السلطان سليمان القانوني، وعبر مراحل التاريخ المتعددة، بالجزيرة، فدفعهم ذلك، خلال السنوات الأخيرة، إلى إقامة تحالفات مع القبارصة اليونانيين وأثينا، من دون إهمال مشاريعهم المهمة في الشطر الشمالي التركي، على الرغم من “علاقات تل أبيب السيئة” بأنقرة، كما كان يقال!
الميادين نت