إرك هبسباوم معايناً تاريخ الحركات الاجتماعية
مجموعة المقالات الواردة في كتاب «متمردون بدائيون» (primitive rebels ـ abacus 2017) للمفكر الماركسي الإنكليزي إرك هِبسباوم (1917-2012) تعالج بالتحليل والنقد والتوصيف مجموعة من الظواهر الاجتماعية التي ظهرت في أوروبا والولايات المتحدة في التاريخ المعاصر. المجموعة صدرت للمرة الأولى في عام 1959، ونشرت في بلدان عديدة وترجمت إلى لغات مختلفة. هذه هي الطبعة الثالثة لتلك الأعمال التي ما زالت تحظى باهتمام أهل الاختصاص من مفكرين وعلماء اجتماع ومؤرخين وتربويين.
مع أن الأبحاث تعالج حركات أوروبية، إلا أن هذا العمل مهم للقارئ العربي، في ظننا، من منظور أنه يمنح قاعدة فكرية لمعالجة حركات وظواهر اجتماعية عرفتها بلادنا، مثل الدولة الأموية والعباسية أيضاً. ومن ذلك على سبيل المثال، ما يسمى «ثورة العبيد» في أرض السواد، أو الانتفاضات أو التمردات التي عرفتها بلاد الشام في القرنين الماضيين. ومن ذلك حركة ظاهر العمر أو الحركات الفلاحية في غربي سوريا وشماليها.
الكاتب المفكر يرى أن بعض الحركات الاحتجاجية التي عرفتها بعض الأقاليم الأوروبية في العصور الأخيرة كانت اجتماعية-سياسية بامتياز، وإن لم تمتلك الجماهير التي أطلقتها وشاركت فيها، الوعي الطبقي التي حولها إلى حركات سياسية واعية.
يقول إرك هبسباوم في مطلع مؤلفه إنه يتناول بالدراسة مجموعة من المواد التي يمكن عدها بدائية أو مُمَاتة أو عتيقة من الإثارة (agitation) الاجتماعية: قطاعة الطرق على طريقة روبن هود، والجمعيات السرية المدينية، ومختلف الحركات الثورية الفلاحية ذات الطبيعة الألفية، ودهماء المدن في عصر ما قبل التصنيع والاضطرابات التي أثارتها، وبعض الطوائف العمالية-الدينية واستعمالها طقوساً محددة في مرحلة مبكرة من التنظيم.
هدف المؤلف ــ دوماً بحسب الكاتب ــ تحليلي ووصفي. منطلق عمله هو أن تاريخ الحركات الاجتماعية تمت مقاربته على نحو عام من منظورين منفصلين. على سبيل المثال، لدينا معارف عامة عن الحركات العتيقة والقروسطية، ومنها ثورات العبيد في الإمبراطورية الرومانية، والطوائف الاجتماعية والهرطقية الاجتماعية وانتفاضات الفلاحين. خطأ أسلوب التعامل التاريخي مع تلك الحركات يكمن في النظر إليها على أنها وقائع منفصلة. من ناحية أخرى، تم التعامل فقط مع الحركات الاشتراكية الحديثة وما يشبهها – انظر الاشتراكية الطوباوية والراديكالية واليعقوبية.
يركز المؤلَّف التوصيف والتحليل أساساً على ثلاثة حركات اجتماعية عرفتها أوروبا، على النحو الآتي:
– العصابة الاجتماعية (the social bandit).
– المافيا.
– الألفية (1) – لزَّرِتِّي – (ناقشها المفكر الماركسي الإيطالي غرامشي).
– الألفية (2) – الفوضويون الأندلسيون.
– الألفية (3) – الفاسكي الصِّقِلِّيَّة (أي: عصبة العمال الصِّقِلِّيَّة)، وشيوعية الفلاحين.
– دهماء المدن.
– الطوائف العمالية.
ويلحق الكاتب تحليلاته السابقة بمبحث توصيفي بعنوان «طقوس الحركات الاجتماعية».
المجموعة الأولى من الحركات الاجتماعية التي يتناولها المؤلف بالتوصيف والتحليل أغلبها ريفي، خصوصاً تلك التي اندلعت في غربي أوروبا وجنوبيها في القرنين التاسع عشر والعشرين.
المبحث الثاني خصصه الكاتب ــ كما رأينا أعلاه ــ للحديث في تنظيم المافيا. هو يرى أنه تطور معقد إلى حد ما من قطاعة الطرق (banditory) الاجتماعية، مبيناً أنّ جذور تلك المنظمة كان في أوساط عمال مناجم الفوسفات في جزيرة صقلية.
أولى الحركات الألفية التي يتناولها الكاتب بالتحليل هي اللازارتيون في إقليم توسكانا في شمالي إيطاليا. ويليها الحديث في الحركات الفلاحية الصقلية والأندلسية، التي تختلف عن قطاعات الطرق المافيوية من حيث أنها حركات ثورية وليست إصلاحية. الألفيون ــ دوماً بحسب المؤلف ــ ليسوا صانعي ثورة لأنهم ينتظرون أن تحدث بنفسها وبأسلوب ما غير معروف، وفق معجزة.
المبحث الرابع خصصه للحديث في الدهماء. يرى أنه الشكل المديني الرديف لقطاعة الطرق الاجتماعية، وهي أكثر حركات فقراء المدن بدائية وسابقة للتسيس (pre-political) خصوصاً في تجمعات المدن الصناعية الكبرى.
ينتقل بعدها للتعامل مع الطوائف العمالية (labour sects) ويرى أنها تمثل على نحو أوضح المرحلة الانتقالية بين القديم والجديد، بين التنظم العمالي والتوق إليه، ويتم التعبير عنه من خلال الفكر الديني التقليدي. ثم ينتقل إلى المبحث الثامن والأخير وهو عرض للطقوس في الحركات الاجتماعية ذات الصلة.
المحصلة، يوضح هذا المؤلف أنّ البشر عادة ما ينضمون إلى الاحتجاجات الاجتماعية اعتماداً على المستوى العاطفي قبل المنظور الذهني الفكري. البشر عادة ما يفضلون أن يروا أن أمراً ما يتغير بدلاً من رؤية ما وجب أن يتغير. أسلوب التفكير هذا هو ما أدى إلى تأثير محدود أو مؤقت لحركات اجتماعية.
صحيفة الأخبار اللبنانية