إستراتيجية تعميم الفوضى:..بينما ينهش الجوع أجساد أكثر من نصف مليون إنسان في مناطق شمال وادي غزة، وتبذل اللجان الشعبية وعدد محدود من عناصر الأجهزة الأمنية جهوداً مضنية لضبط الأسعار التي قفزت إلى أكثر من 50 ضعفها الطبيعي، يسعى جيش الاحتلال إلى الاستثمار في جوع الناس، عبر إثارة الفتن وتوجيه الغضب نحو حركة «حماس» وأجهزتها الأمنية.
قبل أيام، أشيعت في مخيم جباليا أقصى شمال القطاع، أنباء عن وجود كميات من الطحين والمعلبات في مخازن تابعة لتلك الأجهزة. وفي وسط الليل الحالك، انطلقت مسيرة شعبية طافت الشوارع، وانتهت بمشاحنات مع العناصر الأمنيين، فيما أقدم أحد المشبوهين على إلقاء عبوة صوتية لزيادة تأزيم المشهد.
وفي صباح يوم الخميس، تمكنت الأجهزة الأمنية من مصادرة كميات محدودة من السكر وطحين الذرة المصنوع من علف الدواجن، كان يحتجزها تجار محتكرون، وحددت نقاطاً لبيعها بأسعار معقولة.
وفيما تزاحم آلاف الجوعى على النقاط المشار إليها، نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية عدة غارات، طاولت أولها سيارة تابعة للشرطة الفلسطينية في حي السكة شرقي مخيم جباليا، واستهدفت ثانيتها مبنى مركز شرطة جباليا المحاذي لمركز «المشغل» التابع لـ«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» (أونروا).
إستراتيجية تعميم الفوضى: إسرائيل تستثمر جوع الغزيّين
ورغم أن الفوضى هي النتيجة الموضوعية للجوع ونقص السلع، فإن ما يشير إليه سلوك العدو الإسرائيلي في المناطق الشمالية المحاصرة، هو منع أي مسعى لتنظيم وصول المساعدات والسلع، وتقويض محاولات ضبط السوق، بهدف توجيه النقمة الشعبية تجاه المقاومة وخيارها.
وفي هذا الإطار، تعمل المئات من الصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الترويج لعنوان واحد: «حماس تجوعكم… حماس دمرت مستقبلكم»، فيما يتقمّص أصحابها أسماء مبادرات مناوئة لسلوكيات المنظومة الحكومية في غزة، كانت قد نظمت في السنوات الماضية فعاليات للمطالبة بالكهرباء والعمل والعيش الكريم.
واحدة من تلك المبادرات هي «بدنا نعيش»، التي صدر حديثاً بيان منسوب إليها يدعو إلى تنظيم مسيرات احتجاجية تطالب بإسقاط حركة «حماس». لكن «الأخبار» تواصلت مع أحد نشطاء ذلك الحراك، ليؤكد أنه لم يسمع بأن أحداً من رفاقه أصدر هكذا بيان. وأوضح المصدر أن «لهجة البيان تشير إلى أنه صيغ بواسطة ضباط الشاباك الإسرائيلي، هناك الكثير من الخلافات مع حماس، صحيح، لكن كل ذلك الخلاف لا يصل بنا إلى أن نطعن شعبنا في خاصرته، ونبرئ إسرائيل من دمنا وجوعنا، ونلقي المسؤولية على كاهل حركة حماس، هذه هي الخيانة بعينها».
أما في المناطق الجنوبية لقطاع غزة، فتنشط الدعاية الإسرائيلية على نحو أكبر، إذ يُصدر جيش الاحتلال، بشكل دوري، صحفاً ومنشورات مطبوعة، ويلقي منها مئات الآلاف من النسخ، وآخرها واحدة تحمل اسم «الحقيقة»، نُشرت على صفحتها الأولى صورة قائد «حماس»، يحيى السنوار، بهدف تأليب الناس عليه.
لكن هذا المنشور تسبب بحالة معاكسة لما أريد منه، إذ اطمأن أنصار المقاومة إلى أن السنوار لا يزال بخير، وشاهدوه وهو ينتقل في نفق تحت أرضي، مرهقاً وليس منعماً، ملاحقاً بالغارات التي دفنت المئات من المقاومين تحت الأرض، وليس آمناً بالقدر الذي يروج له جيش العدو.
وسط ذلك كله، لا يتردد الحاج الخمسيني أبو محمد، والمقيم في وسط مخيم جباله، في حديثه إلى «الأخبار»، في القول: «بناكل علف حيوانات، بنموت من الجوع، بنوجه رسالة لحماٍس، لا تتنازلي إلا لما كل الأسرى يطلعوا، حتى إلي بيدخنوا حشيش، يطلعوا، إحنا أولى بحبسهم مش الإسرائيليين، فش أكل، حتى لو أكلنا الرمل، بنقول لليهود، سبعة أكتوبر خلصنا منه، جاي ثمانية وتسعة وعشرة».
صحيفة الأخبار اللبنانية