إسرائيل الرهان والرهاب: حدّة المواجهات واستمرارها وإطلاق الصواريخ أربكت تل أبيب

مرّة أخرى يفشل الرهان الإسرائيليّ ويتحوّل إلى رهابٍ: المنظومة الأمنيّة في تل أبيب أكّدت للمُستوى السياسيّ في دولة الاحتلال على أنّ الاحتجاجات الفلسطينيّة في المناطق المُحتلّة ضدّ قرار الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ستستمّر عدّة أيّامٍ وبوتيرةٍ منخفضةٍ، لكنّ الأحداث على أرض الواقع أثبتت العكس، فمن يومٍ لآخر تزداد حدّة المُواجهات بين الفلسطينيين الغاضبين على قرار ترامب، وأكثر من ذلك، فإنّ انضمام فلسطينيي الداخل، أيْ الذين يعيشون داخل الكيان الإسرائيليّ، فاجئ صنّاع القرار في الدولة العبريّة.

حكومة بنيامين نتنياهو، الأكثر تطرفًا وكرهًا للعرب والمُسلمين، تلقّت تطيمنات من الدول العربيّة التي تُصنّف في إسرائيل بالمُعتدلة، وفي مقدّمتها العربيّة السعوديّة، بأنّ الاحتجاجات لن تُربك إسرائيل، فجاءت الأحداث لتُربك الدولة العبريّة، في حين ذهب العديد من الكتّاب العرب إلى القول الفصل بأنّ قرار ترامب أربك حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط.

إسرائيل، كما أفادت المصادر السياسيّة والأمنيّة في تل أبيب، ما زالت تُعوّل على الأجهزة الأمنيّة، التابعة للسلطة الفلسطينيّة، لتقوم بمهمّة إجهاض الانتفاضة الثالثة، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ نشاط هذه الأجهزة خفف إلى حدٍّ كبيرٍ حدّة المظاهرات والمواجهات مع الاحتلال الإسرائيليّ، ولكنّ هذه الأجهزة لم تتمكّن من وأد الانتفاضة التي اندلعت في الضفّة الغربيّة المُحتلّة، وبشكلٍ خاصٍّ في القدس المُحتلّة، الأمر الذي بات يقضّ مضاجع إسرائيل، قيادةً وشعبًا.

أمّا فيما يتعلّق بقطاع غزّة، فما زالت إسرائيل تُراهن، كما أكّد مُحلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، عاموس هارئيل، ما زالت تُراهن على أنّ حركة المُقاومة الإسلاميّة (حماس) تهتّم فقط بكيفية الحفاظ على سلطتها في القطاع، وبالتالي، وعلى الرغم من مناشدتها لانتفاضةٍ ثالثةٍ، فإنّها ستعمل على كبح الجماهير وترويض الاحتجاجات، ومن ناحيةٍ أخرى، ستعمل بكلّ ما أوتيت من قوّةٍ لمنع التنظيمات الفلسطينيّة “المُتطرفة” من إطلاق الصواريخ باتجاه مُستوطنات ومدن جنوب الدولة العبريّة، فجاءت الإحصائيات الرسميّة لتؤكّد لدوائر صنع القرار في تل أبيب على أنّ فرضيّة العمل خاطئة جدًا: فمنذ أنْ وضع عدوان صيف العام 2014 أوزاره ضدّ القطاع أطلقت الفصائل الفلسطينيّة 40 صاروخًا، ولكن منذ بداية الأسبوع الحاليّ فقط أطلقت المقاومة 16 صاروخًا باتجاه إسرائيل، الأمر الذي دفع مُحلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، يوسي يهوشواع، إلى التأكيد أوّل من أمس الخميس (14.12.16) على أنّ الردع الإسرائيليّ ضدّ قطاع غزّة قد انهار.

وعلى الرغم من التصعيد الفلسطينيّ، إنْ كان عبر المظاهرات بالقرب من السياج الحدوديّ، وإنْ كان عن طريق إطلاق الصواريخ صوب جنوب دولة الاحتلال، فإنّ حكومة نتنياهو ما زالت تُعلّق الآمال على أنّ حماس لا تريد خوض مواجهةٍ عسكريّةٍ جديدةٍ ضدّ إسرائيل، وبالتالي ستعمل على “اجتياز″ هذا الحاجز الخطير من ناحيتها، والطريق الأقصر إلى منع المواجهة العسكريّة هو تخفيض حدّة التوتّر.

وجريًا على العادة الإسرائيليّة الممجوجة، فقد حذّر صنّاع القرار في تل أبيب من أنّ الحرب القادمة ضدّ حماس في قطاع غزّة ستكون قاسيةً جدًا وستستخدم إسرائيل أسلحتها الثقيلة، كمًا ونوعًا بهدف إسقاط حكم حركة حماس في قطاع غزّة، مرّةً واحدةً وإلى الأبد، ولكنّ هذه التهديدات، باتت لا تنطلي على أحد، وبشكلٍ خاصٍّ على سكّان قطاع غزّة، الذين يعيشون في أكبر سجنٍ في العالم، وينتظرون بفارغ الصبر المواجهات للتحرر من هذا السجن المفروض عليهن منذ عقدٍ من الزمن.

وكان وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قد عبّر، في اليومين الماضيين، عن منسوب مرتفع من القلق والخشية من إمكان تواصل التحرك الشعبي، عبر سلسلة من التهديدات المسوقّة ضد الفلسطينيين، إلى الحد الذي كشف فيه، بصورة تهويلية واضحة، عن أنّه طلب من الجيش الإسرائيلي الاستعداد لكلّ سيناريو محتمل، مع التأكيد للإسرائيليين على ضرورة الهدوء والاطمئنان، إذ إنّ كل صاروخ يطلق من غزة يقابل بهجمات جوية إسرائيلية، على حدّ تعبيره.

ليبرمان لفت أيضًا إلى أنّ 17 عنصرًا من حماس قتلوا في الأشهر الماضية على أيدي قواتنا، والتوازن من ناحيتهم اختل. على كل صاروخ نحن نرد بثلاث أو أربع عمليات ضد مخازن الذخيرة ومصانع الصواريخ.

وزير الأمن المُتشدّد الذي قال مؤخرًا مَنْ يقف ضدّنا سنقطع رأسه بالفأس، عاد أمس واستخدم أسلوبًا جديدًا عبر شنّ حملة تحريض واسعة، تظهر محدودية الخيارات الموجودة لديه، تستهدف الفلسطينيين وقيادتهم وفصائلهم، إذ لفت إلى أنّ التنسيق الأمني بين إسرائيل والفلسطينيين هو مصلحة لعبّاس لا تقل عن مصلحتنا إذا لم يكن أكثر. وأضاف هو الآن على قيد الحياة بفضل التنسيق الأمني.

واختتم ليبرمان قائلاً: رأينا ما حصل في غزة، وكيف تمّت تصفية نشطاء فتح الذي لم يوافقوا على السير خلف سيطرة حماس في القطاع. لذلك لا ينبغي أن نعرض طوال الوقت التنسيق الأمني على أنّه حاجة لإسرائيل فقط. صحيح أننا نستفيد من التنسيق الأمني، لكن الطرف الثاني يستفيد منه أيضًا، قال وزير الحرب الإسرائيليّ.

مهما يكُن من أمر، فإنّ الشارعين العربيّ والإسلاميّ، وبشكلٍ خاصٍّ في فلسطين المُحتلّة، أثبتت لكلّ مَنْ في رأسه عينان على أنّ النبض الشعبيّ أقوى من جميع الأجهزة الأمنيّة في العالم، التي تجمع المعلومات وتُقدّم التوقعات، فاستمرار الانتفاضة الثالثة، إذا جاز التعبير، يؤكّد فشل هذه الأجهزة في استشرف المُستقبل القريب عُقب إعلان ترامب.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى