تحليلات سياسيةسلايد

إسرائيل تخشى نهاية الحرب: لا حصانة في «اليوم التالي»

حسين إبراهيم

على رغم أن الدلائل كلّها تشير إلى أن العدو سيخرج خالي الوفاض من حرب غزة من حيث تحقيق الأهداف الكبرى، وأن كلّ يوم يمرّ يُثبت أن الحرب بالمعنى العسكري صارت بلا جدوى، فإن المحرّك الأساسي لاستمرارها هو خوف الإسرائيليين من انتهائها، الذي يجب أن تسبقه إجابة عن سؤال اليوم التالي.

 

وذلك اليوم يمكن أن يكون أحد احتمالين: الأوّل، انتفاء التهديد من غزة والضفة الغربية، وأيضاً من الشمال، كما يأمل قادة إسرائيل، وهذا يبدو بعيداً؛ أو العيش – وهنا الاحتمال الثاني – في ظلّ كابوس حصول 7 أكتوبر جديد على إحدى تلك الجبهات أيضاً.

يعمل الإسرائيليون على هدي غريزة تقول إن الإسراف في القتل قد يؤدي غرض استعادة «الهيبة» التي فقدها العدو على الأقلّ، إن لم يؤدّ إلى التهجير المأمول. ولكن التجربة تفيد بغير ذلك، ولا سيما أن الممارسة إياها تضع الفلسطينيين أمام تهديد لا حلّ له، بالغريزة والعقل أيضاً، إلّا المقاومة والدفاع عن النفس حتى الرمق الأخير.

كذلك، يميل الجمهور الإسرائيلي، وليس القيادة السياسية فقط، إلى تطويل المراحل، لأن الانتقال من واحدة إلى أخرى بينها يقرّب نهاية الحرب ويضع هذا الجمهور وجهاً لوجه أمام المجهول.

ولذا، ترى القادة السياسيين في إسرائيل من بنيامين نتنياهو إلى إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، مروراً ببني غانتس، يصرّون على اقتلاع حركة «حماس» من قطاع غزة، والذي يعني عملياً إبادة سكان القطاع أو تهجيرهم، ومن ثمّ التفرّغ للجبهات الأخرى في الضفة وفي الشمال.

في المقابل، فإنّ العنصر الأساسي في قوة المقاومة في غزة، هو أن الأخيرة تتصرّف على أساس أنه لا حلّ إلا بالقتال، حتى في ظلّ المعاناة التي يكابدها ناس القطاع والتي تفوق طاقة البشر على الاحتمال.

ليس منطقياً هنا القول إن الغزّيين يفضّلون الموت على النزوح. ولا يمكن لأحد في الأساس أن يطلب منهم الموت في العراء وعدم الرحيل الذي لو كان متاحاً لرحل الكثيرون. الواقع أن الناس في غزة لا يستطيعون الخروج إلّا من منطقة إلى أخرى داخل القطاع. وفي هذه الحال، ترتفع نسبة الذين يفضّلون عدم مغادرة بيوتهم، ولو انطوى الأمر على قدر من المخاطرة، لأن الفارق لا يعود كبيراً.

ولأن الأمر كما تَقدّم، تصبح المقاومة هي الطريق الأقصر لإنقاذ من يمكن إنقاذه من ناس غزة، ومن ممتلكاتهم وأرزاقهم.

ولأن الناس لم يحملوا مفاتيح بيوتهم ويرحلوا كما فعلوا في نكبة 1948، على أمل أن تعيدهم الجيوش العربية بعد أيام قليلة، تحوّلت إلى 75 سنة كاملة حتى اللحظة، يصبح عدم الرحيل هذا، مهما كانت أسبابه، هو مأزق الإسرائيليين، الذين تعوّدوا على أن يهرب العرب من أمامهم، وما زالوا يتمسّكون بأمل أن يحصل ذلك، كطريقة لتحقيق الأمن الذي لن يعود الإسرائيليون من دونه إلى منازلهم في مستوطنات غلاف غزة أو مستعمرات الشمال.

منذ البداية إذاً، كان الصراع صراع وجود، لكن الإسرائيليين يستعجلون النهاية، لأنهم ليسوا من النوع الذي يمكنه الانتظار أو العيش في اللايقين.

اليوم، يعتقد الإسرائيليون أن قتال جيشهم في غزة هو دفاع عن شروط العيش على هذه الأرض، وهو ما يعتبرونه امتيازاً، بالنظر إلى الإغراءات المالية للبقاء، ولا سيما في المستوطنات الأمامية، والمعنويات التي يؤمنها لهم الوجود ضمن الدولة على أرض فلسطين.

الخيار الآخر بالنسبة إليهم هو العودة إلى زمن التيه والشتات، الذي قامت عليه الهجرة إلى فلسطين. لكن أكثر ما يمكن أن تأمله إسرائيل في غزة هو ترتيبات تشارك فيها الولايات المتحدة كضامن لأمنها، تظلّ بموجبها «حماس» بسلاحها في القطاع.

هذا ما يمكن استخلاصه من كلام جون كيربي حين قال قبل أيام إنه لا يمكن القضاء على فكر «حماس» بالقوة العسكرية، وإن الحركة ما زالت تحتفظ بقدرات كبيرة.

وفي الشمال، يرفض الإسرائيليون العودة إلى المستعمرات إذا لم تبتعد المقاومة عن الحدود، ويطالبون قادتهم بتوجيه ضربة إليها لتحقيق الهدف المذكور، ولا يؤمنون بأن حلاً سياسياً يمكن أن يضمن أمنهم.

لكن كما في غزة، وربما بشكل أكبر، لا فرصة لتحقيق هكذا هدف لا بالسياسة ولا بالعسكر، إذا سلّمنا أصلاً بأن أميركا ستوافق على دعم حرب إسرائيلية على لبنان. وعليه، سيتعيّن على هؤلاء العيش في ظلّ كابوس تكرار 7 أكتوبر على الحدود اللبنانية، أو أن يظلّوا حيث هم، وتبقى مستعمراتهم خاوية.

دائماً ما كان الإسرائيليون يرفضون تسليم أمنهم لأحد، ولا حتى للأميركيين، لأنهم يعتبرون أن الأمن الذي يرعاه طرف آخر، ولا سيما بالمعنى اليومي، هو أمن نسبي في أحسن الأحوال، حتى لو كانت أميركا تشكّل مظلة لبقاء إسرائيل على المستوى الإجمالي. اعتادوا على أخذ الأمر بيدهم، وهذا ما يبدو غير ممكن في الظروف الحالية، وهنا المأزق الإسرائيلي.

اللاواقعية في المطالب الإسرائيلية، لا تنسحب على الأميركيين، الذين يتصرّفون على أن أيّ ترتيبات لما بعد الحرب، أو اليوم التالي، يجب أن تأخذ الحقائق على الأرض كما هي، تحت طائلة رفضها من قبل المقاومة. ومثل هذه الترتيبات، يبدو من الآن أنها ستنتقص من الحصانة التي اعتادها الإسرائيليون.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى