إسرائيل تستهدف سد المنطرة وتتوغل برا في درعا

في أحدث فصول التصعيد الاسرائيلي، قصفت مسيّرة إسرائيلية محيط سد “المنطرة” بريف القنيطرة الشمالي، في هجوم لم يستهدف مواقع عسكرية فحسب، بل طال عصب الحياة المائي للمحافظة، حيث سعت المسيّرة عبر إلقاء القنابل إلى خلق منطقة عزل تمنع المدنيين من الوصول إلى المورد الرئيسي لمياه الشرب والري في المنطقة.
وتشهد منطقة الجنوب السوري تصعيداً إسرائيلياً ميدانياً متواصلاً، يتجاوز في دلالاته “الغارات الجراحية” المعتادة ليصل إلى محاولات تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي على الأرض.
ولا يمكن قصر الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة على الجانب العسكري الصرف، فاستهداف سد المنطرة، بالتزامن مع الاعتداء على أطفال ونساء أثناء جمعهم “الفطر” في ريف القنيطرة، واستهداف بلدة جبا بالقنابل الضوئية، يكشف عن رغبة إسرائيلية في فرض سيطرة “ترهيبية” على الشريط الحدودي.
وهذه التحرشات الميدانية تتكامل مع عمليات التوغل البري التي طالت ريف درعا الغربي، حيث نفذت قوات الاحتلال مداهمات واعتقالات في بلدة “جملة”، مما يعكس استراتيجية فرض “أمر واقع” يتجاوز تفاهمات فصل القوات التاريخية.
ويأتي هذا التصعيد في توقيت سياسي بالغ الحساسية، حيث تخوض سوريا مفاوضات أمنية مع الجانب الإسرائيلي تتسم بالتعقيد الشديد. وتتمسك دمشق بشرط أساسي يتمثل في “تصفير العدوان” وعودة الأوضاع الميدانية إلى ما كانت عليه قبل الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وهو التاريخ الذي استغلت فيه إسرائيل سقوط نظام الأسد لتعلن انهيار اتفاقية فك الارتباط لعام 1974 وتتوغل داخل المنطقة العازلة.
وتبدو إسرائيل، من جانبها عازمة على الاحتفاظ بالمكاسب الجغرافية التي حققتها في تلك اللحظة الانتقالية، محاولةً مقايضة الانسحاب بشروط أمنية تمس السيادة السورية.
وتدرك تل أبيب أن استقرار الجنوب السوري هو المفتاح لتعافي الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمارات الخارجية. لذا، فإن استمرار استهداف المنشآت الحيوية والآليات العسكرية التابعة للجيش السوري رغم غياب التهديد المباشر من جانبه، يبعث برسالة واضحة مفادها أن إسرائيل لا ترغب في رؤية حكومة سورية قوية قادرة على بسط سيادتها الكاملة. ويحد هذا التوتر الدائم من قدرة الدولة السورية على إعادة الإعمار، ويعرقل المساعي الحكومية لتهيئة بيئة آمنة للمستثمرين الذين يترقبون استقرار الحدود لضخ رؤوس الأموال.
ولا يشكل القصف الإسرائيلي لمحيط سد المنطرة وعمليات التوغل في درعا ليست مجرد “خروقات عابرة”، بل هي جزء من صراع ممتد على “رسم السيادة” في مرحلة ما بعد التغيير الكبير في سوريا. وبينما يسعى السوريون لاستعادة الاستقرار، تواصل إسرائيل اللعب على وتر “الفراغ الأمني” لانتزاع مكاسب حدودية، مما يضع المجتمع الدولي أمام استحقاق قانوني لضمان عدم تحول المنطقة العازلة إلى احتلال دائم يلتهم موارد البلاد ويعطل مسار نموها.
ميدل إيست أون لاين



