في وقتٍ امتنعت فيه إسرائيل رسمياً عن إعلان مسؤوليتها عن «الضربة التي شنّتها على إيران» فجر أمس، ارتأى وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، وعضوة «الليكود»، طالي غوتليب، الجهر بهذه المسؤولية.
وإذ اكتفى الأول بالتغريد بهزْء، بكلمة واحدة، على منصة «إكس»، عدّ فيها الهجوم «ضعيفاً»، وهو ما اعتبره زملاء له «تصرفاً صبيانياً وغير ذي صلة بأي نقاش ومضرّاً لإسرائيل»، فإن غوتليب اختارت الطريقة الاحتفالية، إذ كتبت: «صباح الخير لشعب إسرائيل العزيز. هذا صباح يُرفع فيه الرأس بفخر. إسرائيل دولة قويّة ومستقلة. نعيد إلى أنفسنا قوّة الردع». وذيّلت منشورها بـ«آية» من «مزمور داوود» تُقرأ في الصلوات درءاً للخطر وساعات الضيق، قائلةً: «وَعَلَى أَدُومَ أُلْقِي حِذَائِي… مَنْ يَهْدِينِي إِلَى أَدُومَ… بِعَوْنِ اللهِ نُحَارِبُ بِبَأْسٍ، وَهُوَ الَّذِي يَدُوسُ أَعْدَاءَنَا».
وبموازاة ذلك، أفادت وسائل إعلام عبرية بأن «الدفاعات الجوية الإسرائيلية في حالة استنفار قصوى»، فيما أوعزت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى سفرائها حول العالم بعدم التطرق إلى الهجوم «المنسوب إلى إسرائيل». وطبقاً لما قاله مسؤول رسمي، فإن «الهجوم على إيران هدفه التوضيح للأخيرة أن لدى إسرائيل القدرة على المهاجمة في أراضيها»، وذلك في إطار الرّد على الهجوم الإيراني الذي تعرّضت له إسرائيل مطلع الأسبوع.
على أن هذه العملية، والتي جرى تصديرها إعلامياً على أنها الرّد المأمول منه عدم جرّ المنطقة إلى حرب إقليمية، غير متّسقة إطلاقاً مع حجم الضربة الإيرانية، فيما لا يبدو مضموناً تخويلها إسرائيل الاستمرار في استراتيجية «مبام» (المعركة بين الحروب).
وحتى على مستوى الصور ومقاطع الفيديو التي تسهم في تشكيل الوعي، لم تتمكن إسرائيل، أمس، من الخروج ولو بصورة واحدة تحفظ أقلّه ماء وجهها في حرب «سماوات الشرق الأوسط المفتوحة أمامها»، بحسب تعبير وزير الأمن، يوآف غالانت.
وفي هذا الإطار، رأى المحلل والمعلّق العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أن الهجوم الذي نُفّذ ضد منشأة عسكرية تابعة لسلاح جو الحرس الثوري الإيراني، «يسمح لإيران باحتواء ما جرى من دون الانجرار إلى جولة أخرى من تبادل الضربات مع إسرائيل».
وفي المقابل، توقّف المحلل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، عند التصريحات الأميركية التي عدّها «إيضاحاً قاطعاً بأن من نفّذ الهجوم هو إسرائيل»، معتبراً «أننا قريبون على ما يبدو أكثر مما سبق من خطر نشوب حرب إقليمية واسعة؛ فهذا الهجوم هو الأول من نوعه، وهو استهداف واضح مدوٍّ»، مضيفاً أنه «حدث يبدو أنه ليس بالإمكان إخفاؤه ولا التنكر له، فهو ليس مشابهاً للهجوم في كرمشاه قبل سنتين والمنسوب إلى إسرائيل، والذي خلاله دُمّر مصنع لإنتاج طائرات مُسيّرة»، مدّعياً أن ما تناقلته وسائل الإعلام الإيرانية، ومن ضمنها الرسمية، حول إحباط الهجوم الإسرائيلي «قد يكون محاولة لتهدئة النفوس وإعفاء النظام في طهران من الرّد».
لكن موقع «واللا» أوضح أن الهجوم الإسرائيلي أتى في ضوء الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة ودول غربية على إسرائيل لضبط النفس، وعدم استدراج إيران إلى مواجهة مباشرة ومتواصلة.
وكان أكثر من مسؤول أميركي رسمي قالوا، في الأيام الماضية، إن القرار الإسرائيلي بالرّد على هجوم إيران هو «قرار سيادي إسرائيلي»، في إشارة إلى إعفاء واشنطن نفسها من المسؤولية عن تبعات ما ستقوم به تل أبيب.
وإذ زعم أن الهجوم استهدف الموقع الذي انطلقت منه الطائرات المُسيّرة التي هاجمت إسرائيل، فقد عدّه «عملية مركّزة تتيح للإيرانيين حيز إنكار، وتسمح بألا يُستدرج في أعقابها رد على رد».
أما السبب في ذلك، فهو «إرضاء الولايات المتحدة، ومواصلة التركيز على قطاع غزة كساحة حرب أساسية، لأن فتح جبهة حربية جديدة ليس مصلحة إسرائيلية الآن». وكرّر الموقع الحديث عن أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لم تقدّر النوايا الإيرانية (بعد الاغتيال الذي نفّذته إسرائيل في دمشق)، و«شراسة طهران المتغيّرة في ضوء تقاربها المتزايد من موسكو».
كما أن مصدر القلق في إسرائيل نابع من «تغيير في قواعد اللعبة»، متمثل في قرار الإيرانيين إخراج الحرب بين الطرفين إلى الضوء وتحويلها إلى مواجهة مباشرة. وبهذا، «بات على المنظومة الأمنية في إسرائيل أن تأخذ في الحسبان رد فعلٍ إيرانياً مباشراً إن قامت بعملية عسكرية ضد المصالح الإيرانية في الشرق الأوسط».
من جهتها، نقلت «القناة 12» الإسرائيلية عن مصدر مقرّب من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قوله إنه «لا أحد يريد الآن حرباً مع إيران وأثبتنا لهم أننا قادرون على اختراقهم»، وإن «أمامنا الآن مهام أكثر أولويّة وأهمية وهي جبهتا غزة ولبنان».
وتطرقت القناة إلى تهديدات مسؤولين إيرانيين بأن أي هجوم إسرائيلي سيقابل فوراً بهجوم إيراني واسع ومؤلم، معتبرة أنه بخلاف الماضي، عندما تمكّنت إيران من احتواء أو إخفاء هجمات منسوبة إلى إسرائيل، «فإن هذا أصبح مستحيلاً». ورأت أنه عقب عودة الحياة إلى مجراها في إيران إثر الهجوم بساعات، فإن «السؤال الذي لا أحد يملك الإجابة عليه هو ما إذا كانت محاولة إيران وضع قواعد مختلفة ومعادلة جديدة في المعركة مقابل إسرائيل قد نجحت فعلاً».
وبحسبها، فإن «الرسالة الإيرانية إلى إسرائيل هذا الأسبوع كانت واضحة، ومفادها أن المعركة بين الحروب قد انتهت. وإيران رسمت خطاً أحمر حول الهجمات الإسرائيلية في سوريا ضد عناصرها وضد تموضعها في هناك».
وأشارت القناة إلى أن «اللغز الكبير هو حول طبيعة رد إسرائيل في المرّة المقبلة عندما تتوفر معلومات بشأن تحرك ضابط تابع لقوة قدس في سوريا، أو عندما تتوفر معلومات بشأن نقل أسلحة إيرانية إلى حزب الله من طريق سوريا. فهل بعد جولة الضربات المباشرة غير المسبوقة هذا الأسبوع، سيكون قرار إسرائيل بشن هجوم وتصعيد مباشر آخر مقابل إيران؟» متاحاً.
صحيفة الأخبار اللبنانية