
يكشف تمسّك إسرائيل بالمنطقة العازلة إفشالها المسار السوري المدعوم أميركياً، مُظهراً رهانات الشرع وتوازنات الميدان في مواجهة الإملاء.
استبق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، نتائج زيارة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى الولايات المتحدة ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالإعلان عن تمسُّكه بشروطه السابقة، المتعلّقة بإقامة منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري، و»حماية الدروز»، مبرّراً ذلك بـ»عدم ثقته» بالشرع، الذي قال إن تقييمه يكون بناءً على ما يقدّمه لإسرائيل، ومدى امتثاله لِما تريده.
وفي لقاء مع الإعلامية الأسترالية إيرين مولان، ضمن برنامجها الذي يحمل اسمها، اعتبر نتنياهو أن الحُكم على الشرع لا يكون من خلال الصور أو التصريحات، بل من خلال ما يفعله «على الأرض»، متسائلاً: «هل ستصبح سوريا بلداً آمناً؟ هل سيقضي على الجهاديين في جيشه؟ وهل سيتعاون معي لتحقيق منطقة منزوعة السلاح في جنوب غرب سوريا المتاخمة لمرتفعات الجولان؟». كذلك، وعلى عادته في التضليل والخلط، أشار إلى أن «الدروز السوريين تعرّضوا للتعذيب والذبح بشكل يكاد يكون بدرجة سوء ما حدث في السابع من أكتوبر 2023»، مشترطاً للمضيّ قدماً «نزع السلاح من جنوب غرب سوريا، وتوفير الحماية الدائمة للدروز هناك».
وجاءت تصريحات نتنياهو متزامِنة مع إعلان المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم برّاك، عبر حسابه في موقع «إكس»، أن الشرع وترامب لديهما قناعة مشتركة بأن الوقت قد حان لاستبدال القطيعة بالتواصل، وأن «الجلسة الثلاثية التي جمعت وزراء خارجية كل من أميركا ماركو روبيو، وتركيا حاقان فيدان، وسوريا أسعد الشيباني (على هامش زيارة الشرع إلى واشنطن قبل أيام)، رسمت المرحلة التالية من الإطار الأميركي – التركي – السوري». وأشار برّاك إلى أنه تمّ الاتفاق على «دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الهيكل الاقتصادي والدفاعي والمدني السوري الجديد، وإعادة تعريف العلاقات التركية – السورية – الإسرائيلية»، مضيفاً أن الشرع قدّم لترامب «التزاماً صريحاً يشمل دوراً فعّالاً لدمشق في مواجهة وتفكيك بقايا تنظيم داعش، وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وحركة حماس، وحزب الله، وشبكات أخرى»، معتبراً أن «هذا الالتزام يُجسّد انتقال سوريا من دولة تُعدّ مصدراً للإرهاب إلى شريكٍ فاعل في مكافحته».
ومن الولايات المتحدة، حيث كانت له لقاءات عديدة مع مسؤولين ووسائل إعلام، أكّد الشرع استعداده لتوقيع اتفاق أمني مع إسرائيل و»ضمان أمنها»، مشيراً إلى أن نظام الرئيس السابق بشار الأسد وحلفاءه كانوا مسؤولين عن الوضع السابق، وأنه هو من قام بقتالهم وطردهم من سوريا. كذلك، قال وزير الخارجية السوري، خلال جلسة حوارية في معهد «تشاتام هاوس» في لندن، إن «إسرائيل تلعب حالياً دوراً سلبيّاً في سوريا، وهي غير راضية عن التغيير»، إذ «تواصل انتهاكاتها في الداخل السوري، ولكنّنا لم ننجرّ للاستفزاز وحاولنا الردّ بالدبلوماسية»، متابِعاً أن إدارته تعمل على «إعادة بناء سوريا، وننظر إلى أيّ اتفاق محتمل مع إسرائيل في هذا الإطار». واعتبر أن «على إسرائيل إدراك أن مصلحتها تقتضي عدم التدخّل في سوريا».
وعلى ما يبدو، تستند التصريحات السورية المتواترة، وما تشمله من موقف منفتح حيال توقيع اتفاق أمني مع إسرائيل، بمعزل عن شروط الأخيرة المتمثّلة في إقامة منطقة منزوعة السلاح، وفتح طريق نحو السويداء التي باتت تحت حكم إدارة ذاتية درزية، إلى الحَراك الأميركي العسكري والسياسي المُستجدّ في الملف السوري، خصوصاً منه بدء الولايات المتحدة تجهيز قاعدة عسكرية جوّية لها على تخوم دمشق الجنوبية، لتلعب دور الضامن لأمن إسرائيل، من خلال مراقبة الاتفاق الأمني المُزمع توقيعه قبل نهاية العام الجاري. وفيما تبدي واشنطن استعجالاً لتوقيع الاتفاق، فهي تسعى أيضاً إلى تحقيق اختراق في ملفات أخرى، من بينها ملفّ دمج «قسد»، خصوصاً بعدما أصبح الشرع شريكاً رسميّاً في التحالف ضدّ «داعش».
وتُظهِر تصريحات المبعوث الأميركي تفاؤلاً بالتوصّل إلى صفقة سورية – إسرائيلية قريباً، خصوصاً بعد إشراك تركيا في مسارها، إلا أن تحقّق هذا الأمر يبقى مرهوناً بموقف إسرائيل نفسها، التي كانت أفشلت إنجازه في أيلول الماضي، وما زالت متمسّكة بسقف بالغ الارتفاع.
صحيفة الأخبار اللبنانية



