كتب

إسرائيل… عدو اليهود

بداية لا بدّ من الاعتراف مجدداً بأني في كل مرة أجلس لأكتب عرضاً لمؤلف عن القضية الفلسطينية وتفرعاتها، أشعر بالإحباط وبالخجل من حقيقة أني لم أعثر إلى الآن على مؤلف واحد باللغة العربية عن «قضية العرب المركزية» رغم كثرة المؤسسات الثقافية في الدول العربية. ربما لامني بعض القراء لعدم عرض مؤلفات عربية عن فلسطين، من دون أن يدروا أن هيئات الكتب العربية لم تكلف نفسها نشر مؤلف واحد، أصلياً كان أو مترجماً. كما أشعر بالإحباط من حقيقة امتناع الكتّاب والبحاثة الفلسطينيين، وأخص بالذكر المقيمين في فلسطين المحتلة، عن الكتابة عن قضية تخص الشعب الفلسطيني في الدرجة الأولى. ثمة استثناء أو اثنان، وقد عرضتهما في هذا المنبر في تواريخ مختلفة.

لذلك، فإذا رأينا أن الحكم على مدى الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية من خلال عدد المؤلفات الصادرة عنها، فمن السهل القول إن فلسطين قضية عالمية أولاً وأخيراً.

والآن، عودة إلى كتاب «إسرائيل عدو اليهود» (آذر برس ـــ 2021)، ومؤلّفه سيلفان سيبل الذي ليس معادياً للصهيونية، لكنه يدرك المأزق التاريخي لكيان العدو. يخصّص القسم الأكبر من مؤلفه لاستعراض محطات رئيسة في تاريخه «أدت إلى تدهور جوهر الروح التأسيسية الأصلية للدولة [كذا!]».

صاحب هذا المؤلف سيلفان سيبل كاتب في Le 1 ومجلة America والموقع الإخباري على الإنترنت Orient XXI، ومحرر أول سابق في «لوموند»، انضم إليها عام 1998 كنائب لرئيس القسم الدولي. هو يرى أنّ ««إسرائيل» اليوم لا يمكن التعرّف إليها من قبل يهودها وأولئك الذين يعيشون في «الشتات». فهذه الدولة العسكرية، التي تشمل تكتيكاتها القسوة الممنهجة والعنصرية الاستعمارية ونزع الصفة الإنسانية، تهدف إلى إرهاق الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة. فبينما ينظر العالم بعيداً، يمكن لـ «إسرائيل» أن تتصرف بحصانة؛ الاختبار الحقيقي ليس إلى أي مدى يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تدفع الفلسطينيين، ولكن إلى أي مدى سيذهب المجتمع الإسرائيلي في إذعانه».

يتعامل الكاتب مع الفقرة الأخيرة من «القوانين الأساس» التي تحدد من يجب أن يكون مواطناً. هي في منظور الكاتب مثال مخيف لكيفية نمو الدولة القومية [قل: العصبية] أكثر انعزالاً ومفرطة التركيز من توسيع المستوطنات، ودفع الفلسطينيين إلى مناطق حول المدن، والعنصرية تجاه طالبي اللجوء الأفارقة، ومبيعات أسلحة ضخمة لدول استبدادية معادية لليهود، وفرض الرقابة على قادة حقوق الإنسان ومضايقة الجماعات المنشقة، ومغازلة إدارة ترامب وأعوانه الإنجيليين… ذلك كله أدى إلى عزل الأشكناز الليبراليين في «الشتات»، وخاصة في أميركا.

يوضح الكاتب الحقائق وراء العناوين الرئيسة في «إسرائيل» من خلال المقابلات مع خبراء في الجيش وحكومة العدو الاستعماري الاستيطاني الصهيوني، ومصادر الأخبار الأولية، وبيانات المسح. كما يوضح مشروع قانون «الدولة القومية للشعب اليهودي» لعام 2018 الذي يفصل الأغلبية العرقية اليهودية في «إسرائيل» عن المجموعات الأخرى جميعاً. كما يفحص تحالفات رئيس الوزراء نتنياهو مع الأنظمة الاستبدادية في دول مثل المجر والهند والبرازيل ومع الولايات المتحدة في ظل رئاسة دونالد ترامب، وكيف تطورت إسرائيل إلى دولة أمنية، وعززت المئات من شركات المراقبة الإلكترونية الناشئة التي تم استخدام ابتكاراتها التجسّسية، في الخارج «لتحديد مكان واحتجاز نشطاء حقوق الإنسان واضطهاد أعضاء مجتمع المثليين».

يذكرنا الكاتب بإعلان الرئيس البولوني أندريه دودا في شباط (فبراير) عام 2018 أنه سيوقع قانوناً يجرم اتهام الأمة البولندية بالتعاون مع النازيين، ما أدى إلى مضاعفة علامات العصبية داخل المجتمع البولندي. فوفق ذلك القانون، فإنّ اتهام بولندا بالتواطؤ في المحرقة وغيرها من الفظائع النازية سيكون خاضعاً للمحاكمة. كيان العدو احتج في البداية على التشريع المقترح، لكن بعد ذلك وقع بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافيتسكي اتفاقية تبرئة بولندا من الجرائم ضد اليهود الأشكناز خلال فترة الاحتلال الألماني. كما وافقت «إسرائيل» على تحرك بولندا لحظر تعبير «معسكر الاعتقال البولندي». علاوة على ذلك، وقّع نتنياهو على بيان ينصّ على أن معاداة اليهود مماثلة لمعاداة البولونية، والادعاء بأن عدداً قليلاً فقط من الأفراد البولنديين هم المسؤولون عن اضطهاد الأشكناز، وليس الأمة ككل. لكن لا يمكن لنتنياهو أن يكون غير مدرك لحقيقة أن «أغلبية ثلثي الربع مليون أشكنازي الذين فروا خلال تصفية النازيين أحيائهم في عام 1942 قُتلوا بحلول عام 1945، على يد البولنديين أو بمشاركتهم».

يرى الكاتب أنّ «إسرائيل» قوّضت مكانة المحرقة بجعل تاريخ المحرقة وذاكرتها سلعة قابلة للتفاوض سياسياً وقابلة للتداول. وإذا لم يكن ذلك كافياً، فقد استضافت «إسرائيل» في وقت سابق من هذا الشهر الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، الرجل الذي قارن نفسه بفخر بهتلر.

إضافة إلى ما سبق، يذكّر الكاتب قراء مؤلفه بما يلي: غالباً ما تستشهد آن كولتر، الناقدة الأميركية من اليمين المتطرف، وريتشارد سبنسر، رئيس «معهد السياسة الوطنية»، وهي مؤسسة فكرية للتفوق العنصري، بـ «إسرائيل» باعتبارها أنموذجاً لحالة النقاء العرقي التي يتطلعون إليها.

لكن ماذا عن المستقبل؟ يكتب المؤلف: «إذا أرادت «إسرائيل» البقاء على قيد الحياة من دون تغييرات جوهرية، فستضطر إلى فرض نظام فصل عنصري منظم بالكامل ومقنن بشكل تدريجي».

أخيراً، طبعاً لدينا ملاحظات عديدة على هذا المؤلف، إلا أننا رأينا صحة عرضه هنا، ذلك أنه يحوي معلومات تفصيلية عادة ما تضيع بين أسطر الأخبار المقتضبة، عما وصفه الكاتب، وهو أشكنازي صهيوني كما يتضح من لغته، بتجليات معاداة كيان العدو الصهيوني الاستعماري الاستيطاني لليهود.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى