تحليلات سياسيةسلايد

إسرائيل في شمال غزة: «الأرض المحروقة» بديلاً من «النصر»

يوسف فارس    

بعد 45 يوماً من العملية المستمرة في شمال قطاع غزة، والجدل المستمر في وسائل الإعلام الإسرائيلية حول ما حقّقه أو سيحقّقه جيش العدو الذي حشد ثلاثة ألوية عسكرية مختلفة التخصّصات القتالية هناك، تقول الشواهد على الأرض إن سلوك الجيش يثبت أنه يستخدم في شمال القطاع سياسة الأرض المحروقة. ويحصل ذلك بمعزل عن الأهداف الإستراتيجية للهجوم المعروف بـ«عملية جباليا»، وما إن كان سينتهي بترحيل الأهالي والسيطرة على الأرض، وفقاً لما طالب به وزير المالية الإسرائيلية، بتسليئيل سموتريتش، أول من أمس، حين دعا إلى ربط الانسحاب من محافظة الشمال بتسليم حركة «حماس» الأسرى لديها أو البقاء هناك إلى الأبد، أو أنه عملية عسكرية صرفة تستهدف تدمير «لواء الشمال» في «كتائب القسام»، المعروف بأنه أقوى ألوية الكتائب وصمام أمان البقاء في شمال وادي غزة عموماً.

ويعتمد سلوك جيش العدو على ريتم التقدّم البطيء جداً، والذي يسبقه تمهيد ناري كثيف جداً. ووفقاً لشهادات النازحين الذين خرجوا أخيراً من المناطق المحاصرة، فإن المرحلة الأولى من التقدّم إلى أي منطقة، تبدأ بإطباق مخابراتي وتحليق مكثّف لطائرات الـ «كوادركابتر» المسلّحة بالبنادق والقنابل، ثم بتمهيد مدفعي عنيف جداً يستمر لساعات، يتخلّله قصف من الطائرات المسيّرة في اتجاه كل من يتحرك، ويلي ذلك، تفجير الحارة أو الحيّز العمراني المستهدف بالبراميل المتفجرة أو بالروبوتات التي تحوي نحو 4000 كيلوغرام من المواد المتفجرة. ويحوّل هذا الضغط الناري المناطق المستهدفة إلى خراب تام، حيث تسقط حجارة الأبنية ولا تسمح لأي مقاوم أو إنسان بالتحصّن فيها، ما يسمح بتقدم آمن لجنود العدو. على أنه رغم كل ذلك، فإن سياسة التدمير لم تسمح لـ «عملية جباليا» بأن تمر من دون تكلفة مرتفعة، حيث تجاوز عدد الجنود القتلى منذ بداية الهجوم حاجز الـ27 جندياً. ودفعت هذه الفاتورة عضو الكنيست عن حزب «الليكود»، عميت هاليفي، إلى الصراخ، أمس، قائلاً إنه «لم يكن ينبغي شن العملية العسكرية في جباليا، وعلى (وزير الحرب يسرائيل) كاتس الإيعاز إلى الجيش بتغيير خططه .لقد فقدنا 24 جندياً وضابطاً منذ شهر ونصف، فهل أصابنا الجنون؟»

وإذا كان الخراب والتدمير هدفاً بذاته، فإن الأذى النفسي وتشويه الوعي الجمعي لسكان المخيم الأكثر عناداً بين مخيمات قطاع غزة الثمانية، هو هدف بذاته أيضاً، حيث السلوك الإعلامي وطريقة تعاطي جنود الاحتلال مع الأهالي الذين أُخرجوا من منازلهم خلال الأيام الماضية، تثبت أن المقصود هو كسر الشوكة، وتحطيم حالة الندية في نفوس الخصم. ويندرج في إطار ذلك، تعمّد الاحتلال تجميع الآلاف من الرجال لساعات وإجبارهم على خلع ملابسهم، ثم تصويرهم وتعميم صورهم على وسائل الإعلام، وأيضاً اعتقال الأطباء الذين رفضوا التخلي عن واجبهم الإنساني تجاه أبناء شعبهم. ويقول أحد النازحين، لـ«الأخبار»، إن «جنود العدو على حاجز التفتيش كانوا يتعمّدون إذلال الشباب والنساء، والتهكّم والسخرية وإطلاق عبارات مثل: وين سبعة أكتوبر، وين حماس، راحت جباليا، انهارت جباليا». كما تعمّد صحافيون في القنوات العبرية إجراء مقابلات مع النازحين وانتزاع تصريحات تدين المقاومة.

في خلاصة الأمر، تحمل «عملية جباليا»، أهدافاً مادية ونفسية تتجاوز نجاح العدو أو فشله في القضاء على المقاومة، إذ لا يبدو الأخير هدفاً قابلاً للتحقّق حتى اللحظة، خصوصاً في ظل استمرار التصدي النوعي والقدرة المستمرة على إعادة البناء والترميم.

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى