تحليلات سياسيةسلايد

“إسرائيل”: نذهب إلى حافة الهاوية..لا إلى الحرب

متى يصبح معلوماً لدى لابيد أن مهمّة غانتس في إطلاق الجرعات التهويلية بشأن الحرب؛ إنما تؤكد حاجة “إسرائيل” المتكررة إلى التذكير بقدرتها العسكرية وجاهزيتها الأمنية –بخلاف الحاجة إلى سيناريو مماثل لبنانياً-، وتكشف المزيد أيضاً من اللجام الملتف حول عنق “إسرائيل”، الذي بدا جلياً منذ اليوم الأول على موافقتها الخوض في مفاوضات الترسيم ومنح لبنان الخط 23 وحقل قانا كاملاً، وإلا لكانت فرضت شروطها عسكرياً للوصول إلى الخط 1، هذا لو أن الأرضية جاهزة حقاً لتصعيدٍ قادم من الشمال؛ عندها فقط سيحاول لابيد مجدداً ابتلاع “اتفاقية الترسيم” والعودة بهدوء إلى مربع “الإنجاز”.

وبما أن “الضخ” في منصة كاريش لُجم هو الآخر بحدود “التجريبي”، تنضم الخطوة إلى مناورة الاستعراض التهويلي، وتؤكد مجدداً أن لا استخراج فعليّ قبل الاتفاق، مكبوحةً بمعادلة المقاومة لحرب لا يمكن التحكم بمسارها، ومقيدة بمعركة تتعدى حدود الصراع السياسي الإسرائيلي إلى التزامات أميركية بإشباع العطش الأوروبي للغاز في سباق زمني قبل حلول الشتاء، ومعركة على انتزاع النفوذ الروسي، وإلا العودة إلى العلاقات مع روسيا بتسوية سلميّة. لكن، ماذا لو أرادت “إسرائيل” حرق جميع الأوراق؟

اللاءات” الحرجة

بالعودة إلى ارتفاع سقف “لاءات” لابيد وتهديدات وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، بالاستنفار العسكري على الحدود اللبنانية، يبدو المسار متكاملاً وضرورياً لمنح الموقف الإسرائيلي الرسمي الرافض للتعديلات نوعاً من المصداقية لدى الجمهور، ودعاية انتخابية تدرك المؤسسة الأمنية أنها لن تنجر إلى مخاطرها العسكرية، وبالتالي لن يترتب عليه أي مفاعيل ميدانية. فبالنسبة إلى الثنائي (لابيد-غانتس)، إن تبريد الجبهة الشمالية وإلحاقه بحملة دعائية استعراضية، حتى لو باتفاق مبدئي، هو إنجاز سياسي بحد ذاته، وورقة انتخابية مع تراجع حظوظ الائتلاف مع “ساعر” و”أيزنكوت” في استطلاعات الرأي الأخيرة.

حتى الموقف الرافض نفسه، حمل إحراجاً ضمنياً باستنزاف خط التنازل الرسمي للحكومة الانتقالية، وخطوة دفاعية أمام المدّ المعارض داخلياً بقيادة نتنياهو الذي شن هجوماً على الاتفاق حتى قبل الاطلاع عليه، بالتزامن مع توجه المعارضة لعرض القضية على المحاكم في 27 تشرين الأول/أكتوبر الجاري أي قبل الانتخابات بـ4 أيام فقط.

عدم الجاهزية

ماذا عن الجاهزية العسكرية لحرب تدحرجية لا ضمان فيها لحصر الجبهات؟

إن المرحلة الانتقالية التي تمر بها قيادة أركان “جيش” الاحتلال، واستعداد كوخافي للملمة الأوراق وتسليم الدفة إلى هرتسي هاليفي؛ لن تفرز قراراً خطراً كفتح النار على الجبهة الشمالية، فإن قراراً كهذا لن يحسم قبل منتصف كانون الأول/ ديسمبر أو بداية كانون الثاني/ يناير 2023 فسحاً بالمجال أمام هاليفي لتسوية الأولويات المتزاحمة.

أما غانتس، فلم يكد ينهي خطابه التصعيدي حتى تعالت الصرخات من المستوطنات الشمالية، بعد انتشار حالات الهلع بين المستوطنين، لأن غانتس غفل عن “التنسيق المسبق” مع رؤساء المجالس، حسبما أفادت “القناة 14″، ما اضطره إلى التوجه بخطاب مباشر وطمأنتهم إلى أن ليس هناك “تعليمات خاصة”، كما أوضح مكتب غانتس. وهو ما وصفه المحلل السياسي، رفيف دروكر بـ “الخدعة معيبة، واضح أن هذا غير موجَّه إلى الجنود، وإذا كان يريد أن يرفع الجاهزية، فيجب ألا يُخرج هذا في إعلان لوسائل الإعلام”.

أما على الصعيد الميداني، فإن المؤسسة العسكرية تحاول تجنب مصطلح الانتفاضة، وتربط الحالة الفلسطينية بكونها موجة “إرهابية” تعجز عمليات “الجيش” عن “كسرها”، إلا أن المسميات وإن جرى تحجيمها، لا تغيّر واقع “الانشغال حد الاستنزاف” الذي يعاني منه “الجيش” على الأرض. وفي هذا السياق، يقدم تقرير “الشاباك” أرقاماً غير مسبوقة، عن أكثر من 172 عملاً مقاوماً في الضفة خلال شهر آب/أغسطس، منها 23 عملية إطلاق نار، على الرغم من حملات الاعتقال التي وصل فيها العدد إلى 1500 معتقل في إطار عملية “كاسر الأمواج”، بحسب ما أعلن رئيس أركان “جيش” الاحتلال أفيف كوخافي في أيلول/ سبتمبر الماضي، على أن المؤسسة الأمنية عجزت عن خفض وتيرة الاشتعال، ليسجل شهر أيلول/سبتمبر ارتفاعاً في عدد عمليات المقاومة إلى 212 عملاً مقاوماً، 34 منها عمليات إطلاق نار.

يأتي ذلك في ظل تحذيرات “مراقب الدولة” في “إسرائيل” ماتانيهو إنجلمان، من عدم استعداد “جيش” الاحتلال لوجستياً بشكل كاف يضمن استمرار تنفيذ مهماته ضد بؤر المقاومة في الضفة الغربية، بالتزامن مع ما عدّه المراسل العسكري لـ “القناة  12″، نير دفوري، “عدم جاهزية قوات الاحتياط”، وتراجع نسبة المنتسبين إلى خدمة الاحتياط إلى 1%، مؤكداً أنه ” لا يمكن الاكتفاء بـ 3 أسابيع من التدريب مرة واحدة كل 3 سنوات لقوات الاحتياط، التي تفشل في اللحاق بالفجوة التي نشأت مع القوات النظامية، ما يلقي ثقلاً كبيراً على الجنود المنشغلين بالأحداث الأمنية الجارية، وهذا ما يضر بشكل أساسي بالقدرة على تنفيذ عملية برية واسعة، وبالتالي إضعاف الجيش البري بأكمله.” ويضيف “عندما ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات صغيرة في غزة يمكنه حينها الصمود على هذا النحو، ولكن، ماذا سيحدث بالحرب في الشمال؟”

كل ذلك والقدس ترقد تحت الجمر في ذروة انتهاكات الأعياد العبرية، وتحديات أمنية استعادت استنفار جميع الوحدات البرية والجوية عقب عملية شعفاط النوعية، والعجز عن كبح مسلسل عمليات إطلاق النار.

مفاوضات “حافة الهاوية”، أم..؟

أمام مشهد الانقسام الداخلي الإسرائيلي، ونقيضه في لبنان، كان التوجه العام في “إسرائيل” حريصاً حتى اللحظة الأخيرة على إبلاغ لبنان عبر الوسيط الأميركي أن “ضخ الغاز هو جزء من مسار الضخ الخاص بالمنصة، وليس بداية استخراج الغاز”، كما أفادت شركة “إنرجيان”.

وخلف حرب التصريحات التي تشنها ” تل أبيب”، رسالة إذعان بأن الخط الأحمر الذي رسمته المقاومة لا يشمل خططها الاستعراضية، إذ إن “تل أبيب معنية بأن تصل الرسالة إلى الأمين العام لحزب الله بأنّها لا تريد حرباً”.

صحيح أن يائير لابيد لا يمتلك تجربة سياسية عريقة، لكن غريزته السياسية للبقاء تمنعه من خوض حرب مع لبنان بسبب اتفاق منجز بنسبة تصل إلى 90%. خاصة مع تحذير المستشار القانوني لحكومة الاحتلال من أن الأسبوعين القادمين هما الفرصة الوحيدة لتوقيع الاتفاق، وتأييد صريح من المؤسسة الأمنية وقيادة “الجيش” لإتمام الاتفاق.

ويشير أورنا مزراحي وبنينا شارفيط باروخ، الباحثان في معهد “دراسات الأمن القومي”، أن الاتفاق مع لبنان رغم المعارضة، “بات في مراحله النهائية قبل توقيعه والمصادقة عليه من جانب الطرفين.”

يلتقي هذا مع افتتاحية صحيفة “هآرتس”: “في إسرائيل، يقدرون أن احتمالات الحرب منخفضة، لكنهم يستعدون لاحتمال تأجيل توقيع الاتفاقية مع لبنان، وبحسب الجيش الإسرائيلي، فإن الاتفاقية جيدة جداً من الناحية الأمنية، وهناك فرصة معقولة لتوقيعها هذا الشهر، ولكن إذا بدأ الحفر في كاريش قبل التوقيع، فقد يرد حزب الله”.

من هنا، يُفهم أن لبنان وخلفه المقاومة تعمّد السير نحو مفاوضات “حافة الهاوية”، مع المعرفة المسبقة بعدم إمكانية إقرار هذه الاتفاقية في الأسابيع الثلاثة المقبلة، ما دفع لبنان إلى رفع مستوى المطالب، والضغط على “تل أبيب” التي لا تملك الوقت الكافي لإقرار الاتفاقية مع قرب موعد الانتخابات، لذا ستسعى الحكومة الانتقالية لتسويق الاتفاق داخلياً وقانونياً، أما في لبنان فسيتحول إلى إنجاز سياسي يضاف إلى إنجازات المقاومة.

بالتالي، فإن المشهد العام يميل إلى تحقيق الاتفاق، أكثر منه مواجهة عسكرية، ما لم يقع “مس” بمعادلة “كاريش، وما بعد كاريش”.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى