إسرائيل والقمة الأمنية: دعوات لخفض سقف التوقعات
ينظر رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، إلى القمة الأمنية المرتقبة بعد يومين في القدس المحتلة، بين مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات، ونظيرَيه الأميركي جون بولتون، والروسي نيكولاي بتروشيف، على أنه إنجاز شخصي له، يستطيع تسويقه في الداخل، على أنه تعبير عن ارتفاع مكانة إسرائيل الدولية في ظلّ قيادته. لكن المسافة قد تكون طويلة بين الصورة التي يريد نتنياهو تصديرها عن القمة، وبين قدرته على إحداث تحولات جذرية في خريطة التحالفات الإقليمية من خلالها.
لا يخفى أن أصل انعقاد القمة مرتبط بحسابات إسرائيلية، يبدو أن لدى موسكو تحديداً ما يدفعها إلى التناغم معها، انطلاقاً من حرصها على علاقات جيدة مع تل أبيب. لكن، بحسب دراسة صادرة عن «معهد أبحاث الأمن القومي»، فإن تقرب روسيا من إسرائيل نابع أساساً من رغبتها في التقرب من الولايات المتحدة، وما «عقْد الاجتماع في إسرائيل إلا تعبير آخر عن ذلك». في المقابل، تذهب الدراسة إلى أن الإدارة الأميركية تهدف من خلال هذه القمة إلى محاولة «استغلال استعداد روسيا لإخراج قوات إيران من سوريا بالتعاون مع إسرائيل، وربما أيضاً العمل ضد إيران من أجل خفض التوتر في الخليج، ودفعها إلى الموافقة على استئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي». أما إسرائيل، التي تحرص على تأكيد حضورها وقوة تأثيرها من خلال اعتداءاتها المتواصلة على سوريا، التي يمكن أن تتحول في أي لحظة إلى شرارة لانفجار كبير، فهي تطمح إلى بلورة توافق بين الطرفين الأميركي الروسي يرتكز على تلبية مصالحها.
يَعدّ البعض انعقاد القمة مؤشراً على أننا قد نكون على أبواب تحول دراماتيكي في الموقف الروسي، وبالتالي أمام إعادة إنتاج خريطة تحالفات جديدة في الساحة السورية. دليلهم على ذلك أن التمهيد للقمة بقي خارج الأضواء، وأنْ ما من شيء ـــ من وجهة نظرهم ـــ يدفع الروسي إلى المشاركة فيها لو لم يكن مستعداً للانخراط في صفقة مفترضة. لكن، قبالة ذلك الرأي، ينبغي التمييز بين مستويين: الأول هو ما تطمح إلى تحقيقه إسرائيل من تحول جذري في الموقف الروسي يؤدي إلى تغيير المعادلة، والثاني، أن تكون القمة محطة تأسيسية في مسار مفتوح على سيناريوات متعددة. في ما يتعلق بالأول، يمكن القول إنه ما زالت هناك مسافة طويلة بين هذا الطموح وبين الواقع. أما بخصوص الثاني، فلا يبعد أن تتحول القمة إلى محطة في سياق.
على أي حال، ينحصر معيار نجاح القمة، من وجهة نظر إسرائيلية، في مستوى تناغم الروسي مع ما سيطرحه الطرفان الأميركي والإسرائيلي، أي مدى نجاح واشنطن وتل أبيب في استدراج موسكو. لكن يبقى السؤال: هل الظرف الإقليمي والدولي الحالي يسمح بتحوّل بهذا الحجم؟ وبأي ثمن؟ وهل يمكن تطبيقه على أرض الواقع؟ في إسرائيل، ثمة قدر من التفاؤل لدى بعض الأوساط الرسمية، عبّر عنه عضو في المجلس الوزاري المصغر (لم يفصح عن اسمه) لموقع «المونيتور»، بالقول إن إسرائيل فرضت نفسها «عاملاً استراتيجياً وضرورياً لا يمكن من دونه تحقيق أي تسوية في سوريا، وهو ما دفع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى فهم أنه سيواجه صعوبات في تحقيق الاستقرار في سوريا من دون إسرائيل».
في المقابل، يرى تقدير صادر عن معهد «هرتسيليا» أنّ من المبكر التحدث عن تغيير روسي استراتيجي في الساحة السورية لخمسة أسباب، على رأسها أن الروس لن يتخلوا بسرعة عن الإيرانيين، حتى لو كانت بينهما توترات، وهي دائماً ما كانت موجودة، لكنهم لا يزالون يحتاجون إليهم. وفي هذا السياق، يشير التقدير إلى حديث رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء تامير هايمن، عن أن المعيار الأساسي الذي يؤثر بموقف الروس، قدرتهم على التموضع بين الأطراف كقوة مُرجِّحة. ولذلك، هم يتحركون بين السياسة التي تسمح لإسرائيل بالعمل ضد إيران في سوريا، وبين الحرية التي تملكها «قوة القدس» هناك. والسبب الثاني أنه ليس واضحاً ما إذا كان بمقدور روسيا إخراج إيران من سوريا، حتى لو أرادت ذلك، خصوصاً أنها لم تلتزم تعهداتها السابقة بإبعاد إيران وحلفائها تماماً من منطقة الجولان السوري. والثالث، أن إخراج إيران وحلفائها من سوريا لن يمرّ إلا عبر قرار من الرئيس بشار الأسد، الذي من غير المتوقع أن يبادر إلى خطوة كهذه، لكون العلاقات بينه وبين إيران وثيقة واستراتيجية. والرابع أن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة في الحضيض، ومن الصعب الافتراض أنّ من الممكن عزل الموضوع السوري عن ذلك. ويحضر، في هذا السياق، وقوف موسكو إلى جانب طهران في قضية الاتفاق النووي، وموقف بوتين الذي شدد على أن «لإيران مكانة محترمة كأمة، ومن غير المجدي الضغط عليها عسكرياً واقتصادياً». أما السبب الخامس، والأهم ربما، فهو أن إيران لن تتنازل عن جهودها في سوريا، حتى لو أظهرت مرونة وأبطأت عملها مؤقتاً في ظلّ الظروف القائمة، لكنها تظلّ «تلعب على كل الملعب الإقليمي»، ولن يكون العراق بديلاً لها من سوريا، إذ إن أهدافها في كلّ من البلدين مختلفة.
بالاستناد إلى ما تقدم، دعا «معهد هرتسيليا»، إسرائيل، إلى خفض سقف توقعاتها من القمة. دعوة تنطوي على تنبيه إلى الفرق بين الطموحات والمصالح من جهة، وقيود الواقع ــــ من جهة أخرى ــــ الناتجة من عاملين أساسيين: الأول معادلات القوة الإقليمية القائمة في سياق المواجهة مع محور المقاومة، والثاني تداخل المصالح والأولويات بين موسكو وطهران في الساحتين السورية والإقليمية، حتى لو حصلت تباينات من غير الطبيعي ألّا تكون موجودة.
موسكو: تفاوض لا «صفقة»… ولا نتاجر بحلفائنا
بقيت تحضيرات الاجتماع الأمني الثلاثي المرتقب في إسرائيل خارج التداول الإعلامي، لتكثر القراءات والتحليلات التي حاولت جرد احتمالات ما قد يفضي إليه الاجتماع في هذا التوقيت. غير أن التصريحات التي خرجت عن الجانب الروسي خلال الأيام القليلة الماضية، تقدّم رواية مختلفة عما ساقته بعض وسائل الإعلام، عن وجود «صفقة» ستعرضها الولايات المتحدة وإسرائيل على روسيا، تتضمن إخراج القوات الإيرانية من سوريا. إذ قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تعليقاً على أحاديث «الصفقة»: «ماذا تعني الصفقة؟… نحن لا نتاجر بحلفائنا ولا بمصالحنا ومبادئنا»، مضيفاً إن ما يجري هو «تفاوض مع شركائنا لحلّ بعض المشكلات الملحّة». ورأى بوتين أن على الدول المعنية بالملف السوري «العمل بطريقة موحّدة» لتحقيق تقدّم في مسار التسوية.
كلام الرئيس الروسي أتى بالتوازي مع شرح قدّمه سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، لعدد من الصحافيين، حول الاجتماع الذي سيمثّل بلاده فيه. وأكد باتروشيف أن موسكو «ستأخذ في الاعتبار مصالح إيران، وستطرح وجهة نظرها على الولايات المتحدة وإسرائيل»، مضيفاً إن «إيران موجودة في سوريا بدعوة من الحكومة الشرعية، وتشارك بنشاط في مكافحة الإرهاب. لذلك، وبالطبع، سنأخذ في الاعتبار مصالحها». وكان باتروشيف قد التقى، قبل أيام فقط، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، وتناول معه ملف الاجتماع المقبل والتحديات المرتبطة به.
صحيفة الأخبار اللبنانية