إسرائيل ونفط الجولان: محاولة بناء وقائع جديدة

من دون مقدمات حقيقية، أعلنت إسرائيل في العام 2013 أنها ستبدأ البحث عن النفط الصخري في الجولان السوري المحتل. لكن برغم ثلاث سنوات من الحفر الاستكشافي في الجولان، لا تزال حقيقة وجود النفط الصخري في الجولان، وكميته إن وجد، محاطةً بالكثير من الغموض، ما دفع البعض للتشكيك بالرواية الإسرائيلية. لن تكون هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها أن إسرائيل تبالغ في تقدير اكتشافاتها من الاحتياطات «الهايدروكاربونية». ففي مطلع شهر نيسان الماضي وقعّت شركة الكهرباء الإسرائيلية عقداً لشراء الغاز المسال من «جمهورية ترينيداد وتوباغو»، في البحر الكاريبي بالقرب من فنزويلا، بدل استعمال الغاز المستخرج من حقل «تامار» الإسرائيلي، وذلك لأن كلفة الوحدة الحرارية من الغاز المستورد، من البحر الكارييبي، تبلغ نحو 4.7 دولارات أميركي، فيما تبلغ كلفة الوحدة الحرارية من الغاز المستخرج من حقل «تامار» نحو 5.7 دولارات. وفي شهر نيسان أيضاً اكتشفت إسرائيل أن احتياطيات حقل «لفيثان» الإسرائيلي هي أقل بنحو 24 في المئة من تقديراتها السابقة. برغم هذه الأمثلة، لا تزال إسرائيل مصرة على القول إن هناك احتياطات نفطية هائلة في الجولان، تبلغ مليارات عدة من البراميل من النفط الصخري. ربما يجب البحث عن تفسير استراتيجي سياسي وليس اقتصادي للادّعاءات الإسرائيلية.
التوقيت
إن انشغال سوريا اليوم بالقتال للبقاء قد لا يكون دافع إسرائيل الوحيد للتنقيب عن النفط في الجولان. فهناك رأي يقول إن حل الأزمة السورية سيشمل بالضرورة حلاً لقضية الجولان، وهذا الرأي متداول سواء بين المعارضين أو الموالين في سوريا. وبحسب الرواية التي نشرها سيمور هيرش مطلع هذا العام، فإن دوائر أميركية مهمة، في وزارة الدفاع الأميركية تحديداً، عرضت تقديم معلومات مهمة للحكومة السورية لمساعدتها في قتال الإرهابيين مقابل أن تتعهد دمشق بالتوصل إلى حل سياسي مع المعارضة، وأن تتعهد بالعودة للتفاوض مع إسرائيل لتسوية قضية الجولان سلمياً. وبرغم أن دمشق لم تعلق حتى الآن على ما نشره هيرش، إلا أنه لا يمكن تجاهل المصادفة المتجلية في كون إسرائيل قد بدأت التنقيب عن النفط في العام نفسه الذي يفترض أنه تم التوصل فيه للتفاهم الأميركي ـ السوري، على الأقل وفق رواية هيرش. ما هي اللعبة الإسرائيلية إذاً؟ بالترويج لوجود كميات هائلة من النفط في الجولان، تصبح ذريعة إسرائيل بأن الجولان حيوي لها أقوى من ذي قبل، سواء كانت تريد بذلك عدم التخلي عنه إطلاقاً، أو التنازل مقابل الحصول على صفقة أفضل.
للمقارنة: إسرائيل ونفط سيناء
منذ نشوء إسرائيل إلى يومنا هذا وهي تعتمد بشكل تام على النفط المستورد لتغطية احتياجاتها. يستثنى من هذه الفترة السنوات من 1967-1975 عندما استطاعت إسرائيل تغطية 55 في المئة من حاجتها من النفط من حقلي «رأس سُدر» و«أبو رديس» في شبه جزيرة سيناء، اللذين استثمرتهما إسرائيل بعد حرب حزيران 1967. بعد حرب تشرين 1973، بدأت الولايات المتحدة مسعاها للوساطة بين إسرائيل ومصر للتوصل إلى تسوية سياسية. ومن بين أهم المحطات التي قادت لاحقاً إلى «كامب ديفيد» كانت اتفاقية «سيناء الثانية». بموجب هذه الاتفاقية كان على إسرائيل أن تنسحب من مناطق إضافية في سيناء، من بينها حقلا «رأس سُدر» و «أبو رديس»، وهذا ما رفضته إسرائيل تماماً. وفي وجه الضغوط الأميركية للتوصل إلى تسوية، تذرعت إسرائيل بأن الحقلين حيويان بالنسبة لها إذ يغطيان 55 في المئة من حاجتها من النفط. كانت حجة إسرائيل مفهومة تماماً بالنسبة للولايات المتحدة ولا سيما بعد أزمة النفط العالمية في أعقاب حرب تشرين 1973. وبرغم أن إسرائيل كانت تعلم جيداً أن الحقلين المذكورين يشارفان على النضوب على أي حال، إلا أنها تمكنت من انتزاع مكاسب كبيرة مقابل التنازل عنهما. فقبل ثلاثة أيام من توقيع اتفاقية سيناء الثانية، وقعت إسرائيل والولايات المتحدة في 1 أيلول 1975 «مذكرة تفاهم»، ترقى في كل تفاصيلها، باستثناء الاسم، إلى مستوى اتفاق تحالف استراتيجي. حيث تعهدت الولايات المتحدة بالاستجابة لحاجات إسرائيل الدفاعية والاقتصادية والنفطية. وفي المادة الثالثة تحديداً، تعهدت الولايات المتحدة بتأمين حاجة إسرائيل من النفط، ونقله لها، في حال فشلت الأخيرة في تأمينه. وفي المادة الرابعة تعهدت الولايات المتحدة بتقديم تعويض مالي سنوي لإسرائيل يعادل قيمة النفط الذي كانت تستخرجه من حقلي سيناء، وهو ما يعادل 4.5 ملايين طن سنوياً؛ وبدأت التعويضات بمبلغ 350 مليون دولار سنوياً، لم تتوقف مكاسب إسرائيل هنا. ففي اتفاقية سيناء الثانية، وبالإضافة إلى تعهد مصر بالتخلي عن الحل العسكري واللجوء إلى الوسائل السلمية للتوصل إلى تسوية، تعهدت مصر بالسماح للسفن المتوجهة من وإلى إسرائيل بعبور قناة السويس. ولا تخفى مكاسب إسرائيل الأخرى من قبيل أن اتفاقية سيناء زادت الشرخ بين مصر وسوريا وأبعدت مصر عن الاتحاد السوفياتي ما قلل قدرتها على خوض حرب أخرى. بالمحصلة، حصدت إسرائيل ثمناً هائلاً مقابل التخلي عن حقلي نفط كانا على وشك النضوب.
الخلاصة
في آخر مرة بدا فيها أن التفاوض السوري الإسرائيلي قد وصل إلى مراحل متقدمة، في 26 آذار 2000، لم ينجز الاتفاق لأن إسرائيل رفضت الانسحاب إلى خط الرابع من حزيران، الذي تصر عليه سوريا، وعرضت بالمقابل خطاً بديلاً يبعد عن بحيرة طبرية ما بين 400 إلى 500 متر. كانت إسرائيل تريد أن تحتفظ بالسيادة على كامل البحيرة التي تعتبرها حيويةً لها، ولا سيما لناحية تأمين حاجات إسرائيل من المياه. الآن، بالترويج لوجود نفط بكميات هائلة في الجولان، يصبح بإمكان إسرائيل أن تدّعي أنها لا تستطيع القيام بانسحاب كامل من الجولان ليس فقط لحاجتها لمياهه، بل أيضاً لحاجتها للنفط الصخري المزعوم، أو على الأقل تستطيع أن تفاوض للحصول على مكاسب تشبه ما حصلت عليه في اتفاقية سيناء الثانية: أي المزيد من الدعم الأميركي وتنازلات إضافية من العرب. ما هي خيارات سوريا؟ الخيار الأفضل هو الالتزام باستراتيجية النفس الطويل وعدم القبول بالجلوس للتفاوض من موقع ضعف.
صحيفة السفير اللبنانية