إعدام ابن عربي في تونس

 

هل كان محي الدين بن عربي، صاحب مقولة ” المكان الذي لا يؤنث لا يُعوّل عليه  “، سيتحفظ أو ربما يتراجع عمّا ذهب إليه في تكريم المرآة وإجلالها لو علم أن أنثى تونسية (على وجه الدقة والتحديد والرمزية) سوف تأتي من بعده بثمانية قرون ونيف، لتمحو اسمه من أحد الشوارع الضيقة لمدينة تونس التي مشى فوق ترابها ( كي لا نقول ماءها كما يزعم غلاة محبيه)، وتضع بداله ” صربيا ” على إثر لقائها بوزير خارجية هذا البلد.

هذا ما فعلته رئيسة بلدية تونس أي شيخة المدينة وفق اللقب المعتمد في الدوائر الرسمية، بالشيخ الأكبر، صاحب كتاب ” ترجمان الأشواق ” الذي خصصه ل ” نظام ” الفتاة التي أحبها هذا الصوفي الكبير ثم تزوجها وظل شغوفا متيما بها في قصة حب امتدت جذورها في الأرض وأينعت أغصانها في السماء.

بانت سعاد عبد الرحيم، رئيسة البلدية المحسوبة على حركة النهضة الإسلامية، وظهرت أمام الكاميرات وهي تبتسم لشطب اسم صاحب ” الفتوحات المكية ” من ” النهج ” الذي كان يسمى باسمه، فهل هي بداية نهج جديد في محو ذاكرة التونسيين من كل ما يذكّر بالسماحة والسمو الروحي، خصوصا من طرف جماعة عُرفت بعدائها الشديد للرموز الصوفية؟

أما كان الأجدر ببلدية عريقة تشهد لها بلدان متقدمة ببراعتها وحنكتها في تخطيط وتسمية الشوارع والساحات، أن تلتفت إلى تنقية المدينة من كل مظاهر التلوث السمعي والبصري  وبروبغندا التطرف الديني، بدلا من محو اسم رجل قال يوما ” لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي .. إذا لم يكن ديني إلى دينه داني

لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ .. فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ

وبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ .. وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن”.

صحيح أن هذا ” الإعدام كان جداريا بحتا “، وسوف يظل التونسيون يستدلون على المكان بقولهم ” وسط أو خلف أو على يسار نهج ابن عربي ” لكن المراسلات البريدية الرسمية بدأت تحمل عنوانا تصحيحيا وهو” نهج صربيا ـ نهج ابن عربي سابقا “.. وهو ” نهج سياسي ” يقرع أجراس الخطر وينبه إلى محاولة تدمير ذاكرة جماعية وهوية عمرانية عن سابق رصد وتخطيط.

يتساءل التونسيون الغاضبون من هذا القرار الإداري المقيت في سخرية مرة: هل سيتغير حي ابن خلدون إلى حي البوسنة والهرسك؟

السؤال الأكثر مرارة هو: كيف أقدمت امرأة تعلمت في مدارس المرحلة البورقيبية على هذه الفعلة، وهل هزمت الأيديولوجيا الإسلامية غريزتها الأنثوية حتى تسيء لمن قال عنها يوما ” جعل الله النساء زهرة حيث كنّ”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى