إلى أين نحن ذاهبون؟

سؤال لا ينطق به الساسة في المنطقة، لا لإنهم يعرفون أن الإجابة عليه ستكون غامضة وتزيده تعقيدا، ولا لأنه يحرجهم حين يظهرهم كمن لا يعرف شيئا عن وظيفته، بل لأنهم يدركون جيدا أن البحث عن جواب بهذا الحجم يتطلب منهم الاطلاع الوافي على تفاصيل وأسرار ما تخطط له القوى الكبرى من مصير للمنطقة. وهو ما لا يمكن التنبؤ بوقوعه حتى بالنسبة للمقربين من تلك القوى.

المنطقة الان تعيش حالة حرب. منذ متى لم تكن كذلك؟

يبدو الوضع حائرا ومحيرا. فلا أحد في إمكانه أن يتنبأ بما يمكن أن تنتهي إليه الامور في حال استمرار الوضع على ما هو عليه لسنوات مقبلة. الادارة الاميركية كانت واضحة في الحديث عن سقف لحربها على داعش. تلك الحرب قد تستمر لعشر سنوات أو أكثر. ولكن هل في إمكان دول محطمة كالعراق وسوريا أن تقوى على البقاء متماسكة في زمن الرعب الذي يمسك طرفي خيطه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من جهة وتنظيم داعش من جهة أخرى؟

وإذا ما افترضنا أن تلك الحرب ستفضي إلى القضاء على ذلك التنظيم فمَن يضمن لنا أن الظروف المأساوية التي صارت شعوب المنطقة تعيشها لن تنتج أجيالا من التنظيمات الارهابية، قد تكون أشد بشاعة من داعش؟

لا أحد في إمكانه أن يؤكد قدرته على استشراف مستقبل الارهاب في منطقة صارت تستقبل فلول الارهابيين من مختلف انحاء العالم، ليكونوا جزءا من ثوراتها المحلية كما حدث في في الثورة السورية أو ليكونوا جزءا من نسيجها الاجتماعي كما يقع اليوم في العراق.

ففي الوقت الذي يتم فيه الحديث بذعر عن ارهاب داعش التي لا يعرف أحد لمن تدين بالولاء هناك على الأراضي العراقية ميليشيات مسلحة تدين علنا بالولاء لإيران وتمارس الارهاب الذي يمارسه تنظيم داعش، من غير أن توضع في قائمة المنظمات الارهابية التي يتوجب شن الحرب عليها. هناك حرب معلنة يشنها تنظيم داعش على مدن عراقية وسورية يتم من خلالها تهجير سكان تلك المدن أو ابادتهم أو تحويلهم إلى قطعان داعشية وهناك في المقابل حرب جوية يشنها تحالف دولي ضد داعش، غير أن نتائجها على الارض لا تزال حتى اللحظة مسكوتا عنها، خاصة على مستوى ما تلحقه من اضرار بشرية ومادية.

غير أن المسكوت عنه أيضا أن هناك حربا تشنها ايران من خلال الميليشيات التابعة لها في العراق وسوريا، وهي حرب صارت جزءا من اللعبة المحكمة، بغض النظر عما تؤدي إليه من ارتكاب مجازر يومية في حق المدنيين.

لقد تم اسقاط المنطقة كلها في متاهة حروب لا تنتهي.

سيكون فم الوحش مفتوحا دائما لالتهام أكبر عدد ممكن من البشر الابرياء.

وما يجري في عاصمة الشمال اللبناني طرابلس الآن ما هو إلا تمرين صغير بالقياس إلى ما تشهده العاصمة الليبية. أما الحوثيون وقد استولوا على عاصمة اليمن السعيد فإن حكايتهم تظل ملوثة بسوء الحظ الطائفي الذي يؤدي بمواطني بلد إلى أن يكونوا ادلاء خيانة لمستعمر من نوع جديد.

ألا يعني كل هذا أن المنطقة قد تشظت ولن تكون الحرب على داعش سوى محاولة للتغطية على ما يمكن أن يقود إليه ذلك التشظي من نتائج؟ الحرب التي ستستغرق في أقل التقديرات عشر سنوات ستكون مناسبة لإعادة رسم الخرائط اعتمادا على ما يحدث على الأرض، من غير التمسك بالعودة إلى مرجعية تاريخية.

هناك تاريخ جديد، نحن ذاهبون إليه.

جغرافيا جديدة ستكون بمثابة هبة مقابل السلام الذي سيطول انتظاره.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى