إلى سعيد حورانية

 

سعيد حورانية كاتب سوري مهم، رغم أنه نشر ثلاث مجموعات قصصية فقط. وأهميته آتية من واقعية القصص وفنيّة القص. وكل ذلك في الخمسينات، حينما، في زمن الوحدة، طورد الشيوعيون واعتقلوا وعذبوا وأعدموا… وكان من بين ضحايا تلك المرحلة سعيد حورانية، الذي فر إلى الاتحاد السوفييتي، وبقي هناك ربع قرن فقط. وحين  عاد الى البلد فاجأه شرطي الأمن العام في مطار دمشق… قال له أنت مطلوب وممنوع من دخول البلد… زالت الوحدة وبقي المنع .

احتفالاً بسعيد العائد… دعانا الشاعر ممدوح عدوان إلى سهرة. وفيها تعرفنا إلى سعيد الكاتب الذي قرأناه وأعجبنا به. وإلى سعيد الإنسان المتوهج بالحماس لأفكاره وخلاصات تجربته، والذكي والمثقف واللاذع…

في نهاية النقاشات والحوارات… تعثرت أنا برأي أرعن قلت فيه أن مكسيم غوركي قبل أن يكون شيوعياً كتب قصصاً وروايات جميلة مثل “مخيم الغجر يصعد إلى السماء” الذي صار فيلماً من روائع السينما العالمية. وبعد أن أصبح شيوعياً كتب رواية تعبوية اسمها “الأم”. تمجد النضال والبروليتاريا والتضحيات… ولكنها رديئة، رغم انها ظلت ، لسنوات طويلة ، أيقونة الأدب الملتزم، والشكل النموذجي للكتابة الواقعية.

أيضا… الكاتب البرازيلي جورج أمادو.  كتب ، وهو عضو لجنة مركزية في الحزب الشيوعي البرازيلي ، “فارس الأمل” رواية تعبوية أخرى، بطلها الإيمان البروليتاري بالنضال الثوري ، رواية رديئة أيضاً. وعندما ترك أمادو الحزب كتب رواية مدهشة هي ” كان كان العوام الذي مات مرتين”.

المهم… انتفض سعيد حورانية، وغضب وسفّه ما قلت واعتبر آرائي بأنها آتية من طابور ثقافي خامس، معاد للشيوعية، وقال لي بالحرف: أنت أنتي كومينيزم (معاد للشيوعية). وطبعاً دخلت الحوارات في مأزق اليقينيات ، ونجونا بصعوبة من النهاية التقليدية البائسة للخصومات الثقافية. ثم، لاحقاً، أصبحنا جميعاً أصدقاء في زمن هجين لا شيوعي ولا رأسمالي .

تذكرت تلك الأيام وأنا أحضر افتتاح المؤتمر الثالث عشر للحزب الشيوعي السوري حيث كنا عشرات من الشائبين المحنيي الظهر، نسلّم على بعضنا، حيث كانت ورطة نسيان الوجوه والأسماء مصدراً للانفعال والاعتذارات. حزب عمره الآن تسعون عاماَ. وكلما تقدم في السن انهارت وتصدعت الحماسات القديمة وانهارت أسوار القلعة، والحلم.

صديقي إلى جواري قال لي:الاتلاحظ قلة عدد الشباب في هذا الفضاء الذي ينبغي أن يكون شاباً قليلا… فقلت له: كانت هناك قاعدة تقول : ” من بلغ السابعة عشر من العمر ولم يصبح شيوعياً… لا قلب له. ومن بلغ الأربعين وظلّ شيوعياً… لا عقل له”.

الحقيقة يا صديقي، يجب أن نحزن . لأننا جميعاً ، شيوعيين وغير شيوعيين ، نعاني من نقصاننا بدل الازدياد. من انحسارنا بدل التمدد ، من ضمورنا بدل النمو.

ومع ذلك …فعالم دون شيوعيين حالمين، وحزب شيوعي يمجد الامل، وقبعات وأعلام ومطرقة ومنجل وجدائل صبايا جميلات… هوعالم غيرملون…

عالم كأنه قنديل أحمرمطفأ في الذاكره !

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى