إنقاذ “جنيف 2” أم إنقاذ سوريا؟ (سليمان يوسف)

 

سليمان يوسف

أيام قليلة تفصلنا عن موعد انعقاد المؤتمر الدولي «جنيف 2» الخاص بالأزمة السورية. فهل سينجح المؤتمر في وقف الحرب بين السوريين وعلى السوريين؟ المشهد السوري، بشقيه السياسي والعسكري، لا يبعث على التفاؤل. أكثر المتفائلين خفضوا سقف طموحاتهم من كون المؤتمر فرصة تاريخية مناسبة لإنهاء المأساة السورية، الى مجرد خطوة أولى على طريق الألف ميل. أي ان الوصول الى حل نهائي للمعضلة السورية يحتاج الى جنيف 3 و4 و5 وربما أكثر.
لا بل البعض بات يخشى على مصير «جنيف 2» نفسه. لهذا، الجهود الديبلوماسية، الإقليمية والدولية المكثفة عشية انعقاد المؤتمر، تصب في إطار إنقاذ «جنيف 2» أكثر من كونها تبذل لأجل إنقاذ سوريا الوطن والشعب. حتى ان واشنطن ولندن هددتا بوقف الدعم عن «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» إذا قاطع المؤتمر ورفض المشاركة فيه.
حقيقة، نظراً لتعقيدات الأزمة السورية وتطوراتها المتلاحقة وتشابكها مع العديد من الملفات الإقليمية الساخنة والتدخلات الخارجية فيها، تبدو فرص نجاح المؤتمر ضئيلة جداً، إن عُقد. فمن جهة أولى، المعارضات السورية ما زالت متشرذمة ومنقسمة على نفسها حول الموقف من المؤتمر. وقد أعلنت الفصائل والكتائب المسلحة التي تقاتل النظام عن رفضها حضور جنيف2 ورفض كل ما سيصدر عنه من نتائج، فيما تميل بعض الفصائل السياسية في الداخل والخارج للمشاركة، وإن بشروط خجولة. وقد أعلن «الائتلاف» المشاركة، فيما رفضت «هيئة التنسيق الوطنية». ومن جهة ثانية، التقدم الملحوظ الذي حققه النظام في بعض جبهات القتال واندلاع المعارك العنيفة بين الفصائل والكتائب المسلحة التابعة للمعارضة في أكثر من مدينة ومنطقة سورية وتصاعد دور وثقل المجموعات الإسلامية المتطرفة مثل «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«جبهة النصرة» و«الجبهة الاسلامية» وغيرها بشكل مخيف في الحرب السورية، أربكت القوى الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السورية، وقد تجبر الدول المنحازة الى جانب المعارضة والداعمة لها الى إعادة النظر بموقفها وسياستها تجاه ما يجري في سوريا. بالفعل، قبل أيام أعلن الرئيس التركي عبدالله غول أن «تركيا ستعيد النظر بموقفها من الحرب السورية لتصبح في خدمة مصلحة الجميع في المنطقة».
ربما، ثمة رغبة دولية اليوم بوقف الحرب السورية وإيجاد حلول سياسية لها, بعدما باتت هذه الحرب ببعدها الإنساني والأمني عبئاً ثقيلاً على المجتمع الاقليمي والدولي. بيد أن نجاح المؤتمرات الخاصة بحل النزاعات المحلية ووقف الحروب الأهلية، يتطلب أولاً وقبل كل شيء توافر رغبة حقيقة وجدية لدى أطراف النزاع ذاتها واستعدادها لتقديم تنازلات سياسية مهمة واتخاذ قرارات جريئة. وفي الحالة السورية، لا تبدو مثل هذه الرغبة متوافرة حتى الآن لدى أطراف النزاع. فحدة العداء بين السلطة والمعارضة على أشدها، والهوة السياسية بينهما ما زالت كبيرة والثقة معدومة، ولا قواسم مشتركة بينهما يمكن على أساسها بناء حل ما. فـ«الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»، ومن معه من فصائل سياسية وعسكرية يطالبون بأن يضمن المؤتمر وتتكفل الدول الراعية له بنقل السلطة الى حكومة انتقالية بكامل الصلاحيات السياسية والأمنية والعسكرية والرئاسية، وأن لا يكون للرئيس بشار الأسد أي دور أو حضور في المرحلة الانتقالية، ولا في الحياة السياسية في سوريا الجديدة. أما النظام فأعلن مراراً أنه "لن يذهب الى جنيف2 لتسليم السلطة للمعارضة، بل للبحث في كيفية محاربة الإرهاب الذي تتعرض له بلاده".
هكذا، النظام يريد من المؤتمر أن يكون «خشبة خلاص» له، فيما المعارضة تريده «مقبرة للنظام» ونهاية لحكم بشار الأسد. إزاء هذا التعارض العميق بين ما تريده المعارضة وما يريده النظام من مؤتمر جنيف2، كيف يمكن لهذا المؤتمر أن يُعقد؟ وإن عُقد، كيف له أن ينجح؟
برغم التحديات والعقبات الكبيرة التي قد تحول دون عقد «جنيف 2» ونجاحه في إنتاج حل سياسي للأزمة السورية، لا بديل من الحوار الوطني بين السوريين (سلطة ومعارضات) لوقف حربهم العبثية، التي بدأت تفرز خرائط – ديموغرافية/سياسية على مقاس الميليشيات المنخرطة في الاقتتال. هذه الخرائط هي مشروع دويلات وكانتونات طائفية عرقية مذهبية. وقد باشرت كل ميليشيا بتشكيل إدارة أو حكومة محلية خاصة بها في المناطق التي تسيطر عليها.
من هنا تأتي أهمية وضرورة أن تعمل مختلف الأطراف السورية على عقد «جنيف 2» ونجاحه. لأنه قد يكون الفرصة الأخيرة أمامها للحفاظ على وحدة الكيان السياسي للدولة السورية، في ظل الاستقطاب الطائفي والمذهبي والعرقي الحاد، الذي يشهده المجتمع السوري، كما تشهده معظم مجتمعات دول المنطقة.
وقد يكون البديل لـ«جنيف 2» هو «سايس بيكو 2». أي تقسيم سوريا وإعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة من جديد. بات من المؤكد أن الحريق السوري سيمتد الى دول الجوار إذا أخفقت الجهود الديبلوماسية والسياسية في إخماده. فمعارك الأنبار في العراق ومسلسل التفجيرات الارهابية التي تهز لبنان من حين لآخر، والاضطرابات التي بدأت تشهدها تركيا، لا يمكن فصلها عن مفاعيل الحرب السورية وتداعياتها.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى