إيزابيل رامبو تكتب عن شقيقها الشاعر الراحل وبغداد تترجم ما كتبت

شخصية الشاعر الفرنسي رامبو محورية في الأدب الفرنسي، فلم يتجاوزها الزمن حتى اليوم وقد يكون أحد أسباب هذا التماهي الزمني مع شخصيته هو شخصيته الشابة النزقة والقلقة والمجنونة والطائشة، وجملة ما كتبه من قصائد في عمرٍ صغير وقصير أيضاً، فتذكر المصادر أنه توقف عن الكتابة وهو في سن الحادية والعشرين وفي قمة مراهقته البيولوجية والشعرية أيضاً، وهو بذلك يشبه الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، فكلاهما مجددان في عمر مبكر جداً وكلاهما توفيا في الثلاثينيات من عمريهما لكن تركا نتاجاً شعرياً خالصاً يتجدد الحديث عنه في مناسبات عربية وعالمية مختلفة.

دار سطور في بغداد أصدرت ترجمة لكتاب “شقيقي آرثر” كتبته أو أعدته شقيقته إيزابيل رامبو بترجمة فرنسية من كامل عويد العامري، جاء في أكثر من مقدمة ورسائل ومعالجات لأشهر قصائده، فالناقد علي الفواز الذي كتب مقدمة طويلة نسبياً خارجة عن الترجمة، تماهى مع ثنائية الجنون والإبداع عند الشاعر بوصفهما ثنائيتين تثيران الغموض المعرفي ومفهوم الجنون كعاهة تشوّه وظيفة العقل وهذا الأخير هو الصندوق العائلي الأبيض الساحر والموجّه لسلطة الجسد والحامل للمعنى الافتراضي لقوة اللوغوس في التعاطي مع هذا الوجود ومع اشتغالاته في التواصل وإنتاج المعنى.

ومن هذا المعنى أشكلت شخصية رامبو على الدارسين بوصفها أنموذجاً متمرداً خارج الطقوس العائلية ولغزاً عصياً على الفهم وبالتالي – بوصف فيرلين – هو أسطورة ذلك “الشاعر الملعون” والرجل الذي “ينتعل الريح”، وكما وصفه مالارميه “العابر المحترم” أو “العبقرية العجولة” بتعبير بول فاليري، و”إلهاً حقيقياً للنقاء” كما قال عنه آندريه بريتون.

كانت مهمة إيزابيل رامبو شاقة وعسيرة أمام أسطورة شقيقها الذي مات بالسرطان، وهذا الكتاب لا يكشف حقيقة رامبو كاملة كما كنا نظن، لكنه يقف عند نهايات هذه الأسطورة كشهادة ووثيقة خلدت فيها ذكرى شقيقها، تتجلى في متابعة أواخر حياته المَرَضية لأنها كانت شاهدة على لحظاته الأخيرة ومعاناته الكبيرة، لذلك جاء التجلي من هذه الشقيقة – وهي مؤمنة – بأن رامبو “يشبه قديساً تقرّب من الخالق قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة”، وربما كانت هذه الشهادة أو هذا التجلي الروحي صادماً للكثيرين ممن يرون في رامبو شاعراً “لا أخلاقياً” و”خليعاً” و”متهتكاً” و”ملحداً”.

غير أن إيزابيل أشاعت هذه القداسة ودافعت عن الأسطورة الرامبوية من أبوابها الواسعة، وساهمت هي وزوجها باترن بيرّبشون بتلميع هذه الأسطورة الفرنسية وتوثيق حياتها بطريقة أو بأخرى، وهو ما انعكس على هذا الكتاب الصغير الذي حفل بالمشاهدات الحيّة التي رافقتْها إيزابيل ووثقتها لتخرج بأن رامبو قديس وليس ملحداً كما شاع عنه.

في “شقيقة آرثر” وهو الفصل الذي تتحدث فيه إيزابيل بشكل مباشر عن شقيقها رامبو تطغى لغة الأمومة المأساوية والتداعيات المؤلمة الحرة التي تحمل قدراً كبيراً من العطف “كنت أطعمه الطعام لقمةً لقمة. أقرّب من شفتيه أكواب الشراب..”، و”كان بودي أن أجعله ينام وأنا أعزف له الموسيقى لكن الموسيقى كانت تبكي دائماً” حتى تتجلى كثيراً وهي في حضور استثنائي أمام جسده المريض وروحه العليلة تراقب انفعالاته الصامتة حيناً وحينا أكثر انفعالاته الصاخبة وبكاءه المرير. شقيقي رامبو شهيد.. هكذا وصفت ايزابيل رامبو.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى