ابتسم… أنت فؤاد بلاط
كان يقول فؤاد بلاط ، مبالغاً، بقصد التوضيح والتعظيم: “الإعلام جنسية وليس مهنة”. وفي الصحافة هناك مرتبة واحدة وهي “صحفي”. أما رئيس تحريرومدير تحريرومديرعام …فهي مناصب عمل مهني بوظائف محددة ، ويظل لقبهم: “صحفي”.
استلم “أبو عمر” مناصب عديدة من سكرتير تحرير جريدة إلى مديرعام الإذاعة والتلفزيون في سورية. وبسبب ترهل المؤسسات كان عدد العاملين يتجاوز الخمسة آلاف، في مبنى يتسع لألفين، ومن أجل وظائف لا تحتاج أكثر من خمسمائة. وكان الدفاع عن هذا الترهل هو نغمة “البطالة المقنعة”. أي: وصف وهمي لسوق العمل.
الذي فعله أبو عمر هو تدويرالوظائف، منعاً للحاجة إلى أي اختصاص، وهمي أو حقيقي ، يقتضي المزيد من التوظيف.
واستفاد من نجاحات المواهب في اختصاصات مثل الإخراج والمونتاج والإعداد والبرامج والمسلسلات إلخ.
لكن الإعلام ليس هذا وحسب. إنه التوازن بين الدعاية والحقيقة، إنه ممحاة للحدث أوتخيف الإضاءة عليه. والإعلام يعكس سياسة وعقيدة وبرامج البلد. والإعلام الملتزم… إعلام الدولة، غالباً ما يكون متشدداً وتشترك في قيادته والتحكم فيه أجهزة رقابة متعددة المستويات.
ذات يوم انعقدت جلسة لمجلس الشعب لمناقشة الإعلام، وقد صب الأعضاء المياه غير النظيفة على الإذاعة والتلفزيون بشكل خاص. وبعض الأعضاء بالغ بالنقد وتفلسف قائلاً: لماذا لا يكون التلفزيون مثل هيئة الإذاعة البريطانية الـ (ب. ب. سي)؟
دافع بلاط عن نفسه وهو يبتسم : “عندما تصبحون مثل مجلس اللوردات نكون نحن مثل الـ ب. ب. سي”.
أراد أبوعمرأن يؤسس في بيته نوعاً من ثقافة الوحدة الوطنية، فسمّى أولاده: عمر، وعلي، ومعاوية. وعندما جاء عثمان مات قبل أن يبلغ سن الفتنة.
في الحرب التي دارت في سورية عشر سنوات، اشتبكت الأسماء والتواريخ والأسلحة والأسباب والنتائج… ودمّر القصف بيت أبو عمروبيوت أبنائه الراشدين، وما زال، بابتسامته العذبة، مصرّاً على إخماد الحروب بتعايش الأضداد وتجاور الأسماء في أسرة واحدة … تمهيداً وتأسيساً لوطن واحد.