ابن سلمان في تركيا.. هل من “صيدة جديدة”؟
في مقابلته مع التلفزيون القطري في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2017، وبعد 3 أشهر من التوتر بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، قال رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم: “مع بداية الأزمة السورية، توجّهت إلى السعودية، وقابلت الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، بناءً على تعليمات من سمو الأمير الوالد، وقلت له هذه الحالة في سوريا وقال لي نحن معكم، أنتم سيروا في هذا الموضوع ونحن ننسّق، ولكن فلتبقوا أنتم مستلمين الموضوع.
ولدينا أدلّة كاملة لاستلام هذا الموضوع وكان أي شيء يذهب إلى تركيا يُنسَّق مع القوّات الأميركية وكان توزيع كل شيء يتمّ عن طريق القوات الأميركية والأتراك ونحن والإخوان في السعودية، كلهم موجودون عسكرياً، ربّما حصل خطأ أنّ فصيلاً دُعم في فترة، لكن ليست داعش، هذا موضوع مُبالَغ به، ربّما كانت هناك علاقة مع النصرة، ربّما، أنا والله لا أعرف عن هذا الموضوع. وتهاوشنا جميعاً على الصيدة التي ضاعت منا أثناء تهاوشنا عليها. ونحن ليس عندنا ثأر مع بشار الأسد، فهو كان صديقاً لنا، لكن أنتم الخليجيين كنتم معنا في خندق واحد، غيّرتم، قولوا لنا لنغير نحن أيضاً”.
كلام حمد بن جاسم الذي عاد وكرره في أكثر من لقاء صحافي وآخره مع جريدة “القبس” الكويتية إنما يلخص الواقع العربي والإقليمي بعد التحولات التي شهدتها المنطقة خلال الأشهر القليلة الماضية، وأهمها تطبيع الأنظمة العربية والإسلامية مع الكيان الصهيوني، واستمرار تآمر هذه الأنظمة على القضايا الوطنية والقومية لدول وشعوب المنطقة وأهمها فلسطين.
فبعد المصالحة الخليجية في قمة العلا في 5 كانون الثاني /يناير 2021، واللقاء المثير (وفق المسرحية الأميركية) الذي جمع تميم آل ثاني ومحمد بن سلمان وطحنون بن زايد على شاطئ البحر الأحمر في 17 أيلول/سبتمبر 2021، استعجل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في مساعيه للمصالحة مع عدوه اللدود محمد بن زايد، الذي كان متهماً بتمويل محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/يوليو 2016 ضد إردوغان.
فبعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه الأخير معه في 31 آب/أغسطس 2021، وصل ابن زايد أنقرة في 24 تشرين الثاني /نوفمبر ليفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، بانعكاسات ذلك على الدور التركي المحتمل والجديد في المنطقة وبلاعبها الرئيسي “إسرائيل”.
ويفسر ذلك اتصالات إردوغان المتكررة بالرئيس الإسرائيلي اتسحاق هرتسوغ، الذي زار أنقرة في 9 آذار/مارس 2022، على الرغم من انتقادات إردوغان لـ”إسرائيل”، ووصفه إياها أكثر من مرة بأنها “دولة إرهاب”، وهو ما دفعه إلى مهاجمة ابن زايد لأنه وقع على اتفاقية التطبيع مع هذه الدولة. وجاءت زيارة إردوغان إلى جدة في 28 نيسان /أبريل الماضي بعد أن أغلق ملف جريمة جمال خاشقجي لتثبت رغبة إردوغان الجادة في لعب دوره الفعال من جديد في مسرحية “المضحك المبكي” التي لخصها لنا حمد بن جاسم.
زيارة محمد بن سلمان إلى أنقرة، الأربعاء المقبل، هي الحلقة ما قبل الأخيرة في حسابات إردوغان للعودة إلى تحالفه مع آل سعود، ودخلهم اليومي من البترول لا يقل عن مليار دولار، وهو بحاجة لها أكثر من الآخرين، ليس فقط لمعالجة أزمته المالية الخطيرة، بل أيضاً لتمويل مشاريعه ومخططاته، التي لا ولن يتراجع عنها في سوريا وليبيا والعراق والصومال ولبنان طالما أنها تحظى بالضوء الأخضر السعودي.
ولولاه لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه في سوريا باعتراف حمد بن جاسم من جديد. فالرئيس إردوغان يتمنى لانفتاحه الجديد على السعودية، وسبق بذلك الرئيس بايدن، أن يساعده في دعم موقفه أولاً في واشنطن، وبالتالي “تل أبيب” وعبر منظمات اللوبي اليهودي التي استنفرت كل إمكانياتها لتحقيق المصالحة السعودية-الإسرائيلية، التي يتمنى لها إردوغان أن تحيي سيناريوهات الدور التركي في المنطقة من جديد، وتهدف أولاً للبقاء في سوريا والعراق، وثانياً لمواجهة الحسابات الإيرانية في هاتين الدولتين، وفي لبنان واليمن، وأخيراً لكسب ود “تل أبيب” التي زارها وزيرا الدفاع والخارجية التركيان في هذا الإطار.
ومع انتظار زيارة الرئيس بايدن إلى جدة ولقائه زعماء دول الخليج، إلى جانب مصر والأردن والعراق، يتمنى إردوغان أن يكون هو أيضاً مدعواً لهذه اللقاءات التي سيبحث تفاصيلها مسبقاً مع ابن سلمان في أنقرة، وكذلك مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني نفتالي بينيت، الذي يقال إنه سيزور تركيا قريباً، أو سيقوم إردوغان بزيارته.
كما سيستمع ابن سلمان، الذي قال عنه إردوغان إنه قاتل ومجرم، إلى وجهات نظره حيال الملفات التي يوليها آل سعود أهمية بالغة في حساباتهم الإقليمية، وبالتنسيق والتعاون مع القاهرة وأبو ظبي اللتين تعترفان بالدور الريادي دينياً ومذهبياً وتاريخياً لآل سعود في العالم الإسلامي، وهو ما سيعني تخلي إردوغان عن مقولاته في زعامة الإسلام والمسلمين، وهو الذي يتغنى بذلك منذ ما يسمّى بـ”الربيع العربي” عندما سحب البساط من تحت أقدام آل سعود فبايعه الإسلاميون بكل فصائلهم السياسية (الإخوانية) والمسلحة، وخاصة في سوريا وليبيا والمناطق الأخرى.
فاحتمالات الاعتراف التركي بزعامة ابن سلمان للعالم الإسلامي كأحد شروط المصالحة بين الرياض وأنقرة، بانعكاسات ذلك على المصالحة بين القاهرة وأنقرة، سيرفع من دون شك من معنوياته، خاصة بعد أن أغلق إردوغان ملف جريمة جمال خاشقجي، وهو ما فعله الرئيس بايدن أيضاً.
مع التذكير بإغلاق إردوغان ملف الراهب برونسون، بعد تهديدات الرئيس ترامب في 12 تشرين الأول /أكتوبر 2018 ، وكان أمر بإخلاء سبيل الصحافي دانيز يوجال في 16 شباط/فبراير 2018 بعد اتصال هاتفي من المستشارة الألمانية ماركل، وهو الذي قال “إن برونسون ويوجال لن يخرجا من السجن طالما أنه في السلطة”. وهكذا كان مصير قضية سفينة مرمرة التي أمر إردوغان بإسقاطها في المحاكم التركية والدولية مقابل 20 مليون دولار تبرعت بها “تل أبيب” لعائلات الضحايا العشرة الذين قتلهم “الجيش” الإسرائيلي في 31 أيار/مايو 2010.
كل ذلك في الوقت الذي يتمنى إردوغان أن يقطف ثمار انفتاحه على “إسرائيل” والإمارات والسعودية، وقريباً مصر ليساعده ذلك على دعم الدور التركي في سوريا ومواجهة الضغوط الروسية عليه هناك. وهو ما سيعني العودة إلى نقطة الصفر في أحداث “الربيع العربي” عندما “تهاوش الجميع على الصيدة” باعترافات حمد بن جاسم.
ويرى إردوغان في استمرار المواقف العربية ضد دمشق واستمرار “تل أبيب” في التصعيد العسكري ضدها، والحديث عن سيناريوهات خطيرة في لبنان فرصته الثمينة لترسيخ الدور التركي في المنطقة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ونفسياً، وهذه المرة بدعم من السعودية وبمصالحتها مع “تل أبيب” سيكون إردوغان قد ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، قد يأتي به ابن سلمان من أحجار رجم الشيطان ومن دون أن يعرف أين سيلقيه إردوغان وعلى من!
ميدل إيست أونلاين