اتحاد الشغل التونسي يضغط لاستعادة زمام المبادرة
يضغط اتحاد الشغل التونسي ، أكبر منظمة نقابية في تونس، لتمرير مبادرة حوار كان قد اقترحها مؤخرا، مشددا على أن الهدف منها هو الخروج من الأزمة الراهنة، مراوحا في خطابه بين التصعيد والمهادنة في خطاب يدرك جيدا أن الرئيس التونسي قيس سعيد لا يقبله.
وتسعى المنظمة النقابية بعد أن تجاهلها سعيد حين رفض أمينها العام نورالدين الطبوبي الانخراط في حوار وطني اقترحه الرئيس التونسي، إلى استعادة زمام المبادرة من خلال التلويح بورقة الشارع حينا والتهدئة حينا آخر.
واختبرت في الفترة الماضية الاحتكام للشارع عبر تنفيذ إضرابات عمالية في قطاع النقل ما أثر على حركة التنقل في العاصمة التونسية، لكن لم يكن لذلك تأثير على الرؤية والمسار السياسي الذي رسمه قيس سعيد.
ودخل الاتحاد العام التونسي للشغل في معركة لي أذرع مع السلطة من بوابة رفض قبول الحكومة بشروط يطرحها صندوق النقد الدولي في مفاوضات متعثرة للموافقة على برنامج تمويل بنحو 1.9 مليار دولار تحتاجه تونس بشدة في مواجهة أزمة مالية طاحنة.
وفي أحدث جولة اختبار لردّ السلطة، بعث الطبوبي اليوم الجمعة برسائل تحذيرية إلى الحكومة، معلنا عزم المنظمة العمالية تعديل بوصلة المسار الحالي، لافتا إلى تدهور أوضاع البلاد على كافة المستويات.
وقال بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ77 لتأسيس المنظمة العمالية إن “الاتحاد ليس في معركة لا مع زيد ولا مع عمر وأن التداعيات الاجتماعية للوضع الكارثي تفرض عليه لعب دوره لإنقاذ البلاد”، مذكّرا بأن الاتحاد أثبت على مرّ التاريخ أنه قوة اقتراح وخير.
وأكد أن “الاتحاد يتحرك دائما من منطلق الحكمة والرصانة من أجل مصلحة البلاد وأنه غير معني بالسلطة التي كانت على قارعة الطريق في العام 2011 ورفضها”، موضحا أن “المنظمات تشتغل على مبادرة متكاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية سيتم تقديمها إلى السلطة القائمة التي رفضت مبادرة 2020”.
وقال إنه “في حال رفض السلطة السياسية مجددا للمبادرة التي يجري إعدادها سيكون لكل حادث حديث” وأكد أن “تونس ليست مخبر تجارب وأن شعبها لن يستغني عن بلاده وأن بعض الأطراف تسعى للتسويق بأن أمل التونسيين اليوم هو علبة حليب”، لافتا إلى أن “الشعب التونسي حرّ ولا يستجدي أحدا وهو قادر على بناء دولته فالثورة الحقيقية تكمن في الذكاء التونسي”.
وأضاف أن الأيام المقبلة ستكشف عن هوية الأطراف التي وقعت على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لافتا أن الدعم تم رفعه فعليا إذ تم خفض نفقاته في ميزانية العام الجديد بنسبة 26 في المئة، وأن الاتحاد الذي يملك كافة التفاصيل لم يكن طرفا في أي من هذه الاتفافيات.
وحذر الطبوبي من “ردود الفعل الشعبية”، قائلا إن “الشعب حتى لو منح ثقته فإن ردود أفعاله دائما مدروسة”، مضيفا “من غير المقبول أن يتم العودة بتونس إلى القرون الوسطى”، متوجها إلى السياسيين برسالة مفادها أن “تونس تنادينا جميعا ويجب أن نتجاوز الأحقاد”، مشددا على “أنه لا يمكن البناء بقرار فردي كما أن لا أحد يملك الحقيقة الكاملة”.
وتابع “نقول للسلطة في تونس لا تفكروا في التدخل في استقلالية الاتحاد العام للشغل”، مضيفا “صحيح أنّ معركتنا هي معركة نقابية، لكنها أيضا معركة سياسية بامتياز”، مؤكدا أنّ “تونس لا يمكن أن تُبنى بقرار فرد في أيِّ موقعٍ كان”.
وكان الاتحاد قد أصدر بيانا قبل احتفالية اليوم الجمعة أكد من خلاله أنه “يخوض مع شركاء له من المجتمع المدني حوارا لصياغة مشروع وطني سيتمّ عرضه على السلطة وعلى الفاعلين السياسيين والاجتماعيين لإنقاذ البلاد”
وأكد أن مبادرته التي أطلقها مع هيئة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تسعى إلى “فتح طريق جديد يعيد البلاد إلى سكة البناء الديمقراطي والمؤسساتي ويضعها من جديد على طريق التنمية والعمل والبناء بعيدا عن كل مظاهر الاستبداد أو العودة إلى الحالة التي كانت عليها البلاد قبل 25 يوليو/تموز 2021”.
وعبر عن استعداده “لإسقاط كل البرامج والسياسات التي تهدف إلى تعميق الفوارق الاجتماعية أو المس بقوت الفئات الشعبية أو إنهاء المرفق العام بغرض تصفيته أو خصخصته”.
وتأتي رسائل الطبوبي في سياق تحركات سابقة شرع فيها الاتحاد وتهدف إلى كسب الدعم الشعبي وتأييد منظمات المجتمع المدني في مواجهة التجاهل الذي لقيه من الرئيس قيس سعيد.
وأكد في تصريح سابق أن حالة العزوف التي شهدتها الانتخابات التشريعية هي رسالة لكل الطبقة السياسية تظهر إحباط ويأس التونسيين، لافتا إلى أن الاتحاد لن يكتفي برفع الشعارات وقد برهن في العديد من المناسبات على قدرته على فرض كلمته في إشارة إلى سلاح الإضرابات الذي أثبت فاعليته في شلّ الاقتصاد.
لكن الرئيس سعيد حذر مرارا من محاولات الاعتماد على خطاب الأزمة لتأجيج الأوضاع والتحريض على مؤسسات الدولة، مؤكدا أنه سيتم التصدي لمحاولات ضرب السيادة الوطنية من قبل قوى داخلية أو خارجية مأجورة قائلا إن “سيادة الدولة التونسية ليست مطروحة في أي جدول أعمال مع أي طرف كان”.