اتفاق أميركي–سوري قيد الإعداد: قاعدة قرب دمشق ومنطقة حكم ذاتي درزية
زياد فرحان المجالي
في خطوة تُعيد رسم خرائط النفوذ في المشرق، كشفت مصادر عسكرية وإعلامية عبرية ولبنانية متطابقة عن اتفاق أميركي–سوري قيد الإعداد، يجري تداوله بهدوء في واشنطن وتل أبيب ودمشق، يقوم على إنشاء قاعدة أميركية جنوب العاصمة السورية دمشق، وإقامة منطقة حكمٍ ذاتي درزية تمتدّ على طول الشريط الحدودي المتاخم للجولان، مقابل انسحابٍ جزئي للقوات الإسرائيلية من نقاط حدودية حساسة.
خلفيات الخطة ل اتفاق أميركي–سوري
التقارير المسرّبة من صحيفة معاريف العبرية ووسائل إعلام لبنانية، بينها “إل–مودون”، تشير إلى أنّ القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) هي التي تتولى إدارة الاتصالات الميدانية بين الأطراف الثلاثة.
الهدف الأميركي المعلن هو “ضمان الاستقرار الحدودي ومنع تهريب السلاح والمقاتلين عبر الجنوب السوري”. فيما يرى مراقبون أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير، ليشكّل جزءًا من مشروع أميركي جديد لإعادة هندسة التوازنات الأمنية في الإقليم بعد حرب غزة.
دمشق بين الانفتاح والقلق
الرئيس السوري أحمد الشرع، وفق المصادر اللبنانية/ أبدى استعدادًا مبدئيًا للبحث في الاتفاق “من منطلقٍ وطنيٍ يحافظ على السيادة السورية وينهي العزلة الدولية”.
لكنّ أوساطًا قريبة من القصر الجمهوري نقلت ترددًا واضحًا في التعامل مع فكرة “الحكم الذاتي”. خوفًا من أن تتحول إلى نموذج تقسيمي موازٍ للتجربة الكردية في الشمال. خصوصًا أن المشروع يتضمن مشاركة مدنية درزية في إدارة المنطقة الجديدة تحت إشراف أميركي مباشر.
إسرائيل تبحث عن أمنٍ بلا تكلفة
في المقابل، تظهر إسرائيل حماسةً ملحوظة لتفعيل الاتفاق. إذ ترى فيه فرصة لتقليص النفوذ الإيراني في الجنوب السوري من دون الدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة.
مصادر في تل أبيب أكدت لصحيفة بوليتكو الأميركية. أن إسرائيل “لا تمانع في انسحاباتٍ جزئية محدودة. طالما أن الوجود الإيراني يستبدل بنفوذ أميركي مراقَب”.
بهذا المعنى، تمثّل الخطة تحويلًا استراتيجيًا لملف سوريا من ساحة نفوذٍ إيراني. إلى ممرّ نفوذٍ أميركي–إسرائيلي مشترك، بضمانات دولية.
أهداف واشنطن العميقة
بالنسبة لإدارة دونالد ترامب، فإنّ المشروع يحمل ثلاث غايات رئيسية:
- إبعاد إيران عن الحدود الإسرائيلية دون مواجهة مباشرة.
- إعادة دمج النظام السوري في الترتيب الإقليمي الجديد بشروط أميركية.
- إثبات قدرة واشنطن على هندسة تسويات شرق أوسطية “بلا دماء أميركية”. بعد التجارب الميدانية المكلفة في العراق وأفغانستان.
مصدر في مجلس الأمن القومي الأميركي قال. إن الخطة “تعيد تعريف العلاقة مع دمشق من خلال التعاون الأمني المحدود. بدل العداء السياسي المفتوح”.معتبرًا أن هذه الخطوة “قد تفتح الباب أمام حزمة تفاهمات أوسع في الملف السوري–الإسرائيلي خلال2026”.
دمشق بين خيارين أحلاهما مرّ
لكنّ مراقبين سوريين حذروا من أن دمشق قد تجد نفسها أمام معادلة صعبة: القبول بتسوية تعيدها إلى النظام الدولي ولكن بثمنٍ سيادي. أو رفضها فتتهم بإفشال فرصة “السلام الإقليمي”.
وتقول أوساط المعارضة السورية في الخارج إن “النظام يسعى إلى صفقة تنقذه من الضغوط الاقتصادية والعزلة الدبلوماسية. حتى لو كان الثمن تنازلاتٍ داخلية محدودة”.
أما داخل سوريا، فيتداول على نطاق واسع أن “الحكم الذاتي الدرزي” ليس سوى غطاء دبلوماسي لإعادة تموضع القوات الأميركية جنوب البلاد. بما يسمح لها بالإشراف على الممرّ الممتد من التنف إلى الجولان.
حسابات تل أبيب وواشنطن
من جهة إسرائيل. يهدف الاتفاق إلى تحويل الجنوب السوري إلى منطقة عازلة مستقرة من دون أن تتحمل تل أبيب مسؤولياتٍ مباشرة.
ومن جهة واشنطن، يعدّ ذلك انتصارًا دبلوماسيًا لترامب في عامٍ انتخابي حاسم. يظهره كصانع سلامٍ قادر على جمع أعداء الأمس في صفقةٍ واحدة. تبقي النفوذ الأميركي حاضرًا من المتوسط إلى الفرات.
المفارقة أن “السلام” هذه المرة لا يقوم على مفاوضات علنية أو مؤتمرات. بل على هندسةٍ أمنية ميدانية تخلق واقعًا جديدًا ثم تفرض الاعتراف به سياسيًا لاحقًا — وهي الطريقة نفسها التي اتبعت في اتفاقات أبراهام.
بين الطموح والتوجّس لاتفاق أميركي–سوري
ورغم أن التفاصيل النهائية لم توقّع بعد. إلا أن الصحف العبرية وصفت المباحثات بأنها “الأكثر جدّية منذ اتفاق فصل القوات عام 1974”.
اللافت أن الجانب الأميركي يتجنب استخدام تعبير “اتفاق سلام”، مفضّلًا عبارة “تفاهمات أمنية تدريجية”، ما يعني أن المشروع لا يزال في طور الاختبار الميداني.
مصدر لبناني مطّلع قال لـ“رأي اليوم” إن “الضمانة الحقيقية لنجاح الاتفاق تكمن في الموقف الروسي”. موضحًا أن موسكو “تتابع بصمت، لكنها لن تقبل بوجودٍ أميركي موسّع في محيط دمشق ما لم ينسّق معها مباشرة”.
ختامًا: شرق أوسط جديد يُرسم من دمشق
قد لا يعلن هذا الاتفاق رسميًا قريبًا، لكنّ مجرّد طرحه علنًا في الصحافة الإسرائيلية واللبنانية يكشف أن المنطقة مقبلة على مرحلة إعادة تموضعٍ كبرى. عنوانها “تثبيت الاستقرار مقابل تقليص النفوذ الإيراني”.
وإذا ما مضت المفاوضات إلى نهايتها، فإن الجنوب السوري سيكون أول اختبارٍ عملي لسياسة ترامب الجديدة في الشرق الأوسط: نفوذ بلا احتلال، وسلام بلا مفاوضات أيضا.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر



