فوجئ العالم ظهر يوم الجمعة الماضي بخبر توصل إيران و السعودية إلى اتفاق على تبادل السفارات، والمفاجأة أن الاتفاق جرى برعاية الصين بعد أيام من المفاوضات قادها مسؤول مكتب العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني. وسارع الجميع- عدا إسرائيل- بالاستبشار بالخبر متمنين أن يكون الإتفاق فاتحة خير واستقرار وتعاون في المنطقة . وحدها إسرائيل اعتبرته خبراً سيئاً فماذا يحمل هذا الاتفاق من آفاق حقيقية بين الدولتين المتواجهتين إيران والسعودية؟؟ وكيف سينعكس على دول المنطقة المنقسمة بالتحالف بين هاتين الدولتين؟؟ وهل سيشكل هذا الاتفاق بوابة استقرار إقليمي أم سيكتفي بتحسين العلاقات الثنائية؟؟ أم لن يتجاوز قضية فتح السفارتين والإبقاء على الصراع كما هو؟؟ الأعمال و التمنيات كلها تتطلع إلى التأسيس على الاتفاق لمرحلة استقرار وتعاون وأمن وسلام …والكل يقول (يا رب)..
الحاسم والمبشر في الاتفاق أن الصين راعيته والضامنة له وهذا ما يعظم فرص نجاحه لما للصين من تأثير على الدولتين المتفقتين، ورغم أن نص الاتفاق تضمن أساساً (فتح السفارتين خلال شهرين) إلا أنه نص أيضاً على (احترام المواثيق الدولية و سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واعتماد مبدأ حسن الجوار في التعامل) والفقرة الحاسمة في النهاية هي التي تنص على (تعاون البلدين لترسيخ الأمن والسلم في المنطقة والعالم )، فأي الفقرات هي الاتفاق المقصود والجدي ؟؟ وأي الفقرات هي من الديباجات الفلكلورية المكملة ؟؟ أم أن كل كلمة في الاتفاق هي من أصل التفاهمات وجزء من التزامات البلدين؟؟؟
طول عمر الصراع وعمق الخلاف جعل الكل يستجيب للاتفاق بحذر. الإعلام السعودي يتحدث عن ضرورة الاستقرار بالمنطقة من أجل التنمية والازدهار كأساس لاستراتيجية المملكة المتمثلة بالرؤية 2030 . وبالتالي فقد اعتبرت أن الاتفاق والتعاون سيفتح آفاق التطور والازدهار أمام بلدان وشعوب المنطقة. أما المواقف الإيرانية فقد ذكرت أن إيران منذ سنوات تطلب التعاون ورئيسها إبراهيم رئيسي توجه إلى دول الجوار في خطاب تنصيبه مطالباً بالتعاون. طبعا لم يغب عن الإعلام السعودي التذكير برأيها حول الممارسات الإيرانية المزعزعة لاستقرار المنطقة وسيطرتها على أربع عواصم عربية. كما لم يفت مستشار المرشد الإيراني أن يعتبر هدف الاتفاق (طرد الأمريكيين من المنطقة). وهذا ما يجعل سؤال بعض المتابعين مشروعاً : هل الاتفاق يمثل تفاهماً بين محور المقاومة ممثلاً بإيران وبين محور الاعتدال العربي ممثلاً بالسعودية؟؟ وهل ستتخلى إيران عن نهجها في المنطقة ومقاومتها السياسة الأمريكية؟؟؟ أم أن السعودية ستبتعد عن استراتيجية الاعتدال وستفارق التعاون مع أمريكا ؟؟ أم أن الطرفان توصلا إلى صيغة وسط بين المقاومة والاعتدال ستعتمدها المنطقة وفقاً للاتفاق؟؟؟ أم أن المسألة أبسط وأضيق من كل ذلك وهي مجرد إعادة فتح للسفارتين وتبادل السفيرين وإعادة التمثيل الدبلوماسي لكل منهما دون أن يستدعي ذلك تعديل او تغيير في سياسات واستراتيجيات أي منهما؟؟؟
ولكن لماذا لا تكون إيران قد اقتنعت بضرورة التعاون مع السعودية وحلفائها لتعميق استقرار المنطقة ولإنتاج نظام إقليمي يحمي دول الإقليم ؟؟؟ ولماذا لا يكون التوجه الإيراني الاستراتيجي قد وجد أن التعاون أكثر جدوى من الصراع وبسط النفوذ والاصطدام ؟؟؟ومن جهة أخرى لماذا لا نأخذ في الحسبان أن توجه المملكة للحفاظ على الاستقرار من أجل التنمية يدفعها للابتعاد عن الاتجاه الغربي الإسرائيلي الذي يستعد لضرب إيران؟؟؟
ولماذا لا يكون السعي السعودي مع إيران مبني على تقدير أن تجنب الصدام والانخراط في التعاون الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي معها مصلحة سعودية وكسب استراتيجي للمنطقة كلها؟؟ و بإختصار، لماذا لا يكون الطرفان قد بدأ كل منهما تعديل استراتيجيته تجاه الآخر وتجاه المنطقة؟؟ خاصة وان مخاطر ملحة وتهديدات مدمرة تحيق بالمنطقة نتيجة تفاقم الصراعات في العالم من أوروبا إلى فلسطين إلى تايوان إلى اليمن الى .. الى.. الى.. ألخ.
كل المعلومات تشير إلى دور روسي في إنجاز الاتفاق. وواشنطن قالت أنها كانت على إطلاع حول ما يجري. وإذا كان ما يجري في مصلحة روسيا. فإن السؤال عن الموقف الأمريكي الحقيقي من الاتفاق مهم إن لم يكن بالغ الأهمية. حيث هناك من يقول ان واشنطن مرتاحة للتقارب السعودي الإيراني لانه يعيق و يؤخر أي عمل عسكري إسرائيلي ممكن ضد إيران. وهذا ما يتيح للأمريكيين فرصة اكبر للتفرغ لأوكرانيا. من جهة أخرى هناك من يرى أن واشنطن بعد ما تأكدت من وصول التخصيب الإيراني إلى درجة 83% الأمر الذي يجعل القنبلة الذرية الإيرانية لا تحتاج إلا لأيام كما قال مسؤول في البنتاجون محذرا، وهذا ما يجعل احتمالية إجراء عمل عسكري أمريكي ضد المنشآت النووية وارد جداً ، الأمر الذي سرع من قبول طهران بمتطلبات الوكالة الذرية والاتفاق مع السعودية تجنباً لاستخدام المملكة كمنصة هجوم. كل هذه الاحتمالات وارده لأن الأمر( الاتفاق) ما زال في بدايته و القضية تحتاج للمتابعة والوقت والتروي كي تتضح التوجهات الحقيقية للأطراف الموقعة عليه، خاصة الموقف الأمريكي القادر للأسف على فعل الكثير سواء للتعطيل أو التدمير أو التسهيل أو التيسير. ولا يفوتن أحد أن الأمر يتعلق بالأمن القومي الأمريكي وبالمصالح الجيوسياسية الأطلسيه ..كما تعتقد واشنطن..
المنطقة بعد هذا الاتفاق السعودي الإيراني على منعطف حاسم ستتضح معالم الطريق الذي تسلكه المنطقة في المرحلة القادمة، وسيكون الحل في اليمن مؤشراً ساطعاً كما سيكون التعاون في العراق لترسيخ أسس الدولة معياراً دالاً له. كما سيشكل الانفتاح السعودي على سوريا بشكل فاعل مقياساً لكل ما ستؤول إليه نتائج هذا الاتفاق على المنطقة. كما سيتضح مدى ونوعية الاستجابة الأمريكية لمآلات هذا الاتفاق على بلدان المنطقة وعلى شكل النظام الإقليمي الناتج عن هذا التعاون و المتدخلين فيه.
خبرالإتفاق فاجأ الجميع لذلك حظي الأمر بالأمنيات والتطلع للخير من جرائه. مع بقاء الأسئلة الحاكمة للتفكير في مساراته. وفي كل الأحوال حتى لو أقتصر الأمر على العلاقات الثنائية وتبادل السفراء والسفارات فإنه أمر جيد ويفتح الطريق إلى ما هو أفضل. فكيف إذا كان تفاهما يؤدي إلى اتفاق استراتيجي على استقرار المنطقة وامن الإقليم وازدهار دولهما …في السياسة لا يكفي الإستبشار بالخير.. لابد من العمل على تحقيق و تنفيذ الإتفاقات و التفاهمات المبرمة ..كما لابد من الحذر من القوى المتربصة بكل ما يجري ….