اتهام أردوغان بتعمد إبعاد تركيا عن ماضيها العلماني

بدأ رجب طيب أردوغان يظهر تأثيره المهم كأول رئيس لتركيا منتخب مباشرة، وذلك بالكاد بعد أسبوع من أدائه القسم لتولي منصبه.

رئيس الوزراء السابق يأخذ تركيا بعيدا عن التقاليد التي اكتسبتها على مدى العقود التسعة الماضية منذ نهاية الإمبراطورية العثمانية، والتي كانت الهيمنة فيها إلى حد كبير، من نصيب النخب العلمانية في البلاد.

أعلن أردوغان الأسبوع الماضي في واحدة من أكثر الإجراءات رمزية على الانفصال عن ماضي البلاد، أنه لن يعمل من قصر تشنكايا، وهو مقر الرئاسة منذ عهد مصطفى كمال أتاتورك الذي أسس الدولة التركية الحديثة. وأثناء ذلك كتبت الصحف التركية أن الآلاف من الأطفال الذين فضل آباؤهم المؤسسات العلمانية، خصصت لهم أماكن في مدارس إسلامية.

يرى سولي أوزيل، البروفيسور في جامعة قادر حاجي في إسطنبول، أن هذه التحركات المبكرة هي جزء من اتجاه واسع يباشر من خلاله أردوغان وحزبه، حزب العدالة والتنمية، رفض الكثير من التراث العلماني للبلاد.

وقال: ” كانت نظرتهم إلى مشروع التحديث التركي عبر الطريقة الغربية، هي أنه فكرة سيئة من الأساس”.

بدأ أردوغان بتنفيذ هدف “تربية جيل متدين” وضغط من أجل قبول تشريع في عام 2012، سُمح بموجبه للأطفال ابتداء من عمر 10 سنوات بالالتحاق بالمدارس الدينية التابعة للدولة.

وقد ذكرت مبادرة إصلاح التعليم في جامعة سبانجي في إسطنبول أن أول عام دراسي تحت رئاسته، تميز بالجدل حول معلومات عن أن الآلاف من الأطفال من الذين سجلتهم عائلاتهم ضمن أسماء مدارس أخرى كخيار أول لهم، أنه قد خُصص لهم بدلاً من ذلك مدارس دينية، وهو العدد الذي تضاعف تقريباً منذ 2010.

وكانت إحدى الصحف الموالية للحكومة قد أبرزت مدى طموحات أردوغان بعد مراسيم تنصيبه يوم 28 آب (أغسطس)، فقد أعلنت صحيفة ستار ديلي أنه تمت استعادة الرابطة بين قائد البلاد وشعبه بعد 91 عاماً – في إشارة إلى تأسيس أتاتورك للجمهورية التركية في عام 1923.

كانت خطط أردوغان حول مكان إقامته منسجمة تماماً مع نظرته الفخمة، إذ بدلاً من أن يقيم الرئيس في قصر تشنكايا الذي يفخر بإبراز معالم ثلاثينيات القرن الماضي، وصممه مهندس نمساوي وأشرف على بنائه أتاتورك، فهو يخطط بالانتقال إلى مجمع يضم 1000 غرفة، تم بناؤه في غابة خارج العاصمة. يقول أردوغان، في إشارة له إلى الماضي الاستعماري التركي، إن المبنى الجديد يجمع بين المعالم العثمانية والسلجوقية، وهو يشير إلى موروثين استعماريين رئيسيين في الماضي التركي.

يمكن أن يشبه قراره هذا، بالنسبة للبعض، خروج الرئيس الأمريكي من البيت الأبيض، وإن كان في مفارقة غريبة، إلى مكان إقامة جديد يسمى القصر الأبيض، وهي الترجمة التركية المعتادة لمكان إقامة الرئيس الأمريكي.

كتب أرطغرل أوزكوك، كاتب العمود الصحافي في مقالة له تحت عنوان: “سيدي الرئيس، لا تترك قصر تشنكايا: تشنكايا شيء عظيم في قلوب شعب الجمهورية”، وهو يقول في هذه المقالة، إن قصر أتاتورك رمز للنصر التركي في حرب الاستقلال التي جرت في عام 1920 على الأعداء الأجانب. بيد أن معلقين آخرين امتدحوا المبنى الجديد، واعتبروه رمزاً لرؤية الرئيس لـ “تركيا الجديدة”، وهي البلاد التي يقول عنها الرئيس، إنها ستمنح القوة للجماهير المؤمنة التي جرى تهميشها طوال عقود من الحكم العلماني الذي أعقب عام 1923.

قال أوزجان تيكيت، كاتب العمود الصحافي الموالي للحكومة عن المبنى الجديد: “كل واحد في أنقرة يعرف أن هذا هو (حلم أردوغان)، وهو يرحب بالبناء الجديد، ويصفه بأنه “مذهل”.

استقبل أردوغان انتخابه كرئيس للبلاد في الشهر الماضي، بأن ألقى خطاباً شاملاً وجه فيه نداءه إلى “شعب تركيا”، وليس إلى المجموعات العرقية أو الدينية. ومع ذلك تعرضت طريقة حكمه – حيث كان متهماً بأنه كان يضع أحياناً مؤيديه المتدينين ضد أجزاء أخرى من المجتمع التركي- إلى انتقادات متزايدة من المجتمع الدولي.

وقال البيت الأبيض في ملخص مباشر له في اجتماع حلف الناتو الذي عقد يوم الأربعاء، إن الرئيس الأمريكي ناقش مع أردوغان “أهمية بناء مجتمعات متسامحة وجامعة ومحاربة لبلاء معاداة السامية”.

يقضي أردوغان الكثير من وقته في إسطنبول، مدينته الأصلية. وهو هناك يتخذ قراراً مليئاً بالرمزية، حيث اختار عدم العمل من قصر دولما باهتشي، وهو المبنى الذي شيد على نمط كابريس، في قصر فرساي في القرن التاسع عشر، وفيه مات أتاتورك.

أحد البدائل المحتملة لإقامة الرئيس هو قصر فاهديتين على ضفاف نهر البوسفور. وقد بدأ البناء بالفعل في هذا الموقع، الذي هو ربما، بالمصادفة، مركز حكم آخر سلطان عثماني.

صحيفة الفاينانشيل تايمز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى