اجتماعات «الدستورية» على الأبواب | أنقرة – دمشق: موسكو تقترح إحياء «أضـنة»
علاء حلبي
بالتزامن مع حملة تصعيد ميدانية على خطوط التماس بين مواقع سيطرة الجيش السوري، ومواقع انتشار «هيئة تحرير الشام» التي تتّخذ من إدلب مركزاً لها، بدأت كلّ من موسكو وطهران جولة وساطة جديدة بين دمشق وأنقرة، في محاولة لدفع عملية التطبيع التي دخلت حالة جمود منذ فترة. الجولة الروسية – الإيرانية الجديدة، والتي انطلقت خلال الأسبوعين الماضيين، كانت استُهلّت بلقاءات ثنائية أجراها وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الذي زار دمشق الأسبوع الماضي والتقى نظيره السوري، فيصل المقداد، والرئيس السوري، بشار الأسد، قبل أن يستقبل، أول من أمس، نظيره التركي، حاقان فيدان، الذي زار بدوره، قبل بضعة أيام، موسكو والتقى نظيره الروسي، سيرغي لافروف، تحضيراً لزيارة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى سوتشي، للقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التي جرت أمس. وفي السياق، قال بوتين لنظيره التركي: «قمنا بالكثير في سوريا، وأعرف أنها قضية حساسة بالنسبة لتركيا، وقد قمنا بوضع حجر الأساس في هذا الشأن»، في إشارة إلى دفع عملية التطبيع بين دمشق وأنقرة.
واللافت في الحراك القائم، هو العمل المتكامل الذي تحاول طهران وموسكو القيام به، كلُّ على حدة، بالتزامن مع حملة تصعيد أميركية متزايدة في الشرق السوري في محاولة للتضييق على دمشق، وعزلها – ما أمكن – عن بغداد. ويأتي التصعيد الأميركي في حين يلعب العراق، الشريك القوي لسوريا، دوراً سياسياً متقدماً في المنطقة، ويستعد للانخراط في جولة مباحثات مطوّلة لحل أزمة المياه العالقة بينه وبين سوريا وتركيا، على خلفية تحكّم الأخيرة بنهرَي الفرات ودجلة، والذي أدّى إلى موجات جفاف غير مسبوقة في العراق، وأزمة مياه متصاعدة في سوريا، إلى جانب مقاومته الحراك الأميركي لقطع الحدود بينه وبين الجار السوري، وتهيُّئه لاستضافة «مؤتمر بغداد للاستقرار الإقليمي» الذي ينظمه بالشراكة مع فرنسا، والذي من المنتظر أن تشارك فيه سوريا.
وفي محاولة لكسر الجمود بين دمشق وأنقرة، تجري محاولات روسية حثيثة للعودة إلى اتفاقات سابقة بين البلدين (اتفاقية أضنة الأمنية 1998)، تسمح للجيش التركي بالتوغل في الأراضي السورية حتى عمق خمسة كيلومترات فقط، تحت مظلة غرفة أمنية سورية – تركية مشتركة، لمطاردة مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» المُدرَج على لوائح «الإرهاب» التركية. ولا تلقى هذه المحاولات آذاناً صاغية من تركيا التي تعتبر الاتفاقية المذكورة أقلّ من طموحها، في ظلّ توغلها لمسافات بعيدة، وتحكّمها بمعظم الشريط الحدودي بين البلدين، سواءً بشكل مباشر عن طريق قواعدها غير الشرعية، أو بشكل غير مباشر عن طريق الفصائل السورية التابعة لها. وخلال لقائه فيدان، أعلن وزير الخارجية الروسي أن بلاده اقترحت على تركيا «العودة إلى اتفاقية أضنة لمكافحة الإرهابيين»، قائلاً: «في اتصالات غير رسمية، اقترحنا العودة إلى فلسفة عام 1998، عندما وُقّعت اتفاقية أضنة»، مشيراً إلى أن «هذا الاتفاق لا يزال سارياً، ولم يندّد به أحد..(..) وجميع وثائق ثلاثي أستانا تقول إننا جميعاً، بما في ذلك إيران وتركيا وروسيا، نحترم سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وتركيا تؤيد دائماً هذه الوثائق».
وفي ظل إصرار سوريا على جدولة انسحاب القوات التركية من أراضيها، ومراوغة تركيا المستمرة في سبيل الإبقاء على قواتها، أعاد وزير الخارجية التركي، خلال مؤتمر مشترك مع نظيره الإيراني، بشكل غير مباشر، ربط وجود قوات بلاده في سوريا بمحاربة «العمال الكردستاني»، إلى جانب مسألة اللاجئين، والتي تعتبر أحد أكبر الرهانات التركية من وراء الانفتاح على سوريا. وقال فيدان: «ناقشنا ما يمكن القيام به بعمق أكبر في الشأن السوري (…) لدينا توقعات واضحة من حكومة سوريا ومن تعاوننا معهم، ومن بين هذه التوقعات، أن تتخذ حكومة سوريا خطوات مضمونة لعودة اللاجئين في بلادنا بأمان وطواعية وكرامة إلى بلدهم»، مضيفاً أن «هذه القضايا تمت مناقشتها مع كل من روسيا وإيران ضمن إطار الرباعية (روسيا وإيران وتركيا وسوريا)».
بدورها، لا تزال دمشق تتمسّك بانسحاب الجيش التركي كشرط لا بدّ من تحقيقه، وهو ما كرّره المقداد خلال استقباله عبد اللهيان قبل نحو أسبوع، وفي كلمة له خلال افتتاح المؤتمر الاستثنائي الخمسين لـ«اتحاد المؤسسات العربية» في دول أميركا اللاتينية المنعقد في دمشق، حيث أكد أن «الاحتلال التركي بمساعدة المجموعات الإرهابية سينتهي، وعلى تركيا أن تعرف أن انسحابها من الأراضي السورية هو الطريق الوحيد لعودة العلاقات بين البلدين والشعبين». وفيما أعلن المقداد موافقة الرئيس الأسد على طلب بوليفي لإعادة العلاقات الديبلوماسية تلقّته دمشق، فقد كشف أنه سيشارك في الاجتماع الـ160 لمجلس «الجامعة العربية» الذي تستضيفه القاهرة، في أول مشاركة لسوريا بعد عودتها إلى مقعدها في «الجامعة». وتأتي هذه المشاركة وسط تفاؤل أبداه الوزير السوري بالعلاقات السورية – العربية، والتي أفضت التحركات بشأنها إلى إعادة تنشيط المسار الأممي (اللجنة الدستورية)، بعد نقل مقر عقد لقاءات الأخيرة من جنيف السويسرية إلى مسقط في سلطنة عُمان. وفي سياق وضع اللمسات الأخيرة على عملية إحياء «الدستورية»، يزور المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، دمشق، خلال الأيام المقبلة، ليجري لقاءات مع المقداد، والرئيس المشترك للجنة مناقشة تعديل الدستور أحمد الكزبري، والسفير الروسي في دمشق، ألكسندر يفيموف، والسفير الإيراني في سوريا، حسين أكبري.
وأمام جملة الملفات العالقة، بما فيها مسار «الدستورية»، يبرز توافقٌ في إطار «الرباعية» على أن الولايات المتحدة لا تزال تحاول إعاقة أي تقدم في الحل السوري، وهو ما أشار إليه لافروف بقوله إن «مشكلات التطبيع بين دمشق وأنقرة متعلقة بالأنشطة غير القانونية للولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا»، لافتاً إلى أن واشنطن «تغذي إلى حد حاسم النزعة الانفصالية للمنظمات الكردية المتطرفة، التي يصنفها الأتراك على أنها تهديد لأمنهم». وفي السياق نفسه، أعاد المقداد التأكيد أن ثمة ضغوطاً أميركية على الدول العربية لإعاقة الانفتاح السوري – العربي، إلى جانب الحصار الاقتصادي الذي تفرضه واشنطن على دمشق، معيداً التذكير بـ«الاحتلال الأميركي للشمال الشرقي من سوريا ونهبه لثرواتها ودعمه للمجموعات الإرهابية الانفصالية» والذي «سينتهي بفضل نضال شعبنا البطل في دير الزور والحسكة جنباً إلى جنب مع الجيش العربي السوري».
صحيفة الأخبار اللبنانية