اجتماع قادَة العَشائِر السوريّة شَرق حلب هل جاء تَمهيدًا لتَشكيل “ميليشيات” تتصدَّى للقُوّات الأمريكيّة والكُرديّة

عندما أكَّد الرئيس بشار الأسد أنّ الهدف القادِم للجيش السوري هو الزَّحف باتِّجاهِ المَناطِق الشرقيّة الشماليّة التي تُسيطِر عليها قُوّات سورية الدِّيمقراطيّة المَدعومة من قِبَل الولايات المتحدة وحَواليّ ألفين مِن جُنودِها في المِنطَقة، تفاجَأ الكثيرون بهذا الطَّرح الذي جاءَ في وَقتٍ تتَّجِه فيه الأنظار إلى الجنوب، ونَحو القنيطرة ودَرعا ومِنطقة التنف على الحُدود الأُردنيّة العِراقيّة السوريّة المُشتَركة.

الرئيس الأسد قال في مُقابلةٍ مع تلفزيون “روسيا اليوم” قبل ثلاثَة أيّام، أنّ حُكومَته ستَتَّبِع أُسلوب الحِوار أوّلاً مع قُوّات سورية الدِّيمقراطيّة الكُرديّة وحُلفائِها من القوات العشائريّة العربيّة التي تَضُم مُقاتِلين عَرب، فهؤلاء “سوريون” وجُزءٌ أساسيٌّ من الدَّولةِ السُّوريّة الأُم، ولكن إذا فَشِل الحِوار فإنّ الحَل العَسكريّ سَيكون هو الخِيار.

فَكْ طَلاسِم هذا التَّهديد من الرئيس السُّوري جاءَ يوم أمس من خِلال انعقاد مُؤتَمر ضًم قادة 70 عَشيرة عربيّة سوريّة في مِنطَقة دير حافر في ريف حلب الشَّرقي صَدرت في أعقابِه قراراتٍ تُعارِض التَّدخُّل العَسكريّ الأجنبيّ في سورية التي دَخلت دون إذنٍ مِن الحُكومة المركزيّة في دِمشق، وتُوَجِّه تَحذيرًا لدُوَل الخليج، والسعوديّة خُصوصًا، التي استجابَت لطَلبٍ أمريكيٍّ بَدَعم إرسال قُوَّاتٍ “عربيّةٍ” و”مُرتَزقة” إلى شَرق الفُرات ومناطِق الحسكة والقامِشلي ودير الزور، مِثلما أكَّدت التفافَها حول الحُكومة السُّوريّة، وتَمَسُّكِها بوِحْدَة سورية التُّرابيّة.

هذا الاجتماع ربّما يكون نُواةَ تَشكيل “ميليشيا” عَشائريّة تكون رَديفًا للجيش السوري، وتتولَّى التصدِّي للمَشروع الأمريكي بإقامَة كياناتٍ انفصاليّة سواء لأكراد سوريا شمال شَرق البِلاد، أو لعَشائِر عربيّة على طُول شَرق الفّرات من جًنوب الحسكة، وحتى شًرق دير الزور حيث احتياطات النِّفط والغاز السُّوريّة.

بعد استعادة الغُوطة الشرقيّة ومخيم اليرموك، وحي الحجر الأسود، وتأمين العاصِمة السُّوريّة من قذائِف الهاون وصواريخ الفَصائِل المُسلَّحة، باتَ واضِحًا أنّ الهَدف المُقبِل للجيش العربي السوري هو استعادة مَناطِق شَرق الفُرات، ومُواجَهة قُوّات سورية الدِّيمقراطيّة، والقُوّات الأمريكيّة والفِرنسيّة أوّلاً، ثم التُّركيّة ثانيًا، مِن خِلال مُواجهاتٍ مُباشِرةٍ، أو من خِلال القُوّات غير النِّظاميّة.

حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سحب القُوّات الأمريكيّة من سورية واستبدالها بقُوّاتٍ عَربيّةٍ خاصَّةً من السعوديّة وحُلفائِها في العَشائِر السُّنيّة، يأتي بسبب الخَوف من حَرب عِصاباتٍ تَستهدِف هذه القُوّات على غِرار ما حَدث في العِراق بعد غَزوِ عام 2003.

السُّلطات السُّوريّة تَمْلُك إرثًا لا يُستَهان بِه في تشكيل الميليشيات والمُنظَّمات وحُروب العِصابات، ووظَّفت هذا الإرثْ بطَريقةٍ غير مَسبوقةٍ في العِراق بعد الاحتلال، وقَبلها في أماكنِ عِدَّةٍ من الوَطن العربيّ ولُبنان خاصَّةً، وربّما نَرى إرهاصات التَّوجُّه السُّوري الجَديد في شَرق الفُرات ودَرعا والقنيطرة في الأسابيعِ القَليلةِ المُقبِلة في تَغييرٍ مُتسارعٍ لطَبيعة الحَرب.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى