تحليلات سياسيةسلايد

اختبار جديد للتهدئة الهشّة: «قسد» متمسّكة بـ«اللامركزية» الشاملة

يكشف تصاعد التوتر بين قسد ودمشق هشاشةَ التهدئة ويبرز صراعَ اللامركزية ومسارَ اتفاق 10 آذار، وسط ضغط أميركي وتركي لاستثمار المشهد شمالَ شرق سوريا.

 

عاد التوتر بين «قوات سوريا الديمقراطية» والقوات الحكومية بعد أسابيع من الهدوء الحذر، أعقبت إعلان وزير الدفاع في الحكومة الانتقالية، مرهف أبو قصرة، وقفاً تاماً وفورياً لإطلاق النار على كامل الأراضي السورية، وذلك إثر جولة مفاوضات في تشرين الأول الماضي بين الجانبين، رعتها واشنطن. وتجلّى هذا التوتر في اشتباكات وقصف متبادل على محور معدان في ريف الرقة الجنوبي الشرقي، وسط تبادل للاتهامات حول البادئ بالهجمات، التي لم تُحدِث أيّ تغيير في خريطة السيطرة الموزّعة بين الجانبين.

وقالت «قسد»، في بيان، إن قواتها «تعاملت مع عدد من المواقع التي استخدمها عناصر تنظيم داعش الإرهابي بشكل مباشر لإطلاق طائرات مُسيّرة (درونات) باتجاه نقاط تمركز قواتنا في بادية غانم العلي شرق الرقة»، متحدّثةً عن «تعرّض المنطقة خلال الأسبوع الجاري لسلسلة هجمات من فصائل تابعة لحكومة دمشق، بالتوازي مع نشاط عناصر التنظيم الذين استخدموا تلك المواقع فعلياً في تنفيذ هجماتهم الإرهابية». ونشر المركز الإعلامي لـ«قسد»، بدوره، مشاهد تُظهِر استخدام «داعش» لتلك النقاط كقواعد لإطلاق المُسيّرات، مشيراً إلى «حصول تنسيق مباشر بين فصائل حكومة دمشق وعناصر التنظيم الإرهابي في استهداف نقاطنا العسكرية وتهديد أمن المنطقة»، ومؤكّداً «الالتزام بالدفاع المشروع عن مناطق شمال وشرق سوريا ودرء أي تهديد إرهابي يستهدف المدنيين أو قواتنا».

وفي المقابل، قالت دائرة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع الانتقالية إن «قسد هاجمت نقاط انتشار الجيش السوري في منطقة معدان»، لافتة إلى «سيطرة قسد على عدد من المواقع عقب تمهيد عنيف بمختلف الأسلحة، ما أدّى إلى مقتل اثنين من جنود الجيش وإصابة آخرين». وأضافت أن «قواتنا ردّت على مصادر النيران ونفّذت هجوماً عكسياً مباشراً أسفر عن استعادة السيطرة على المواقع وطرد القوات المعتدية»، محمّلةً «قسد» «تبعات هذا الاعتداء الغادر والمتجدّد بشكل شبه يومي على نقاط الجيش السوري».

وتكشف هذه الاشتباكات المتكرّرة بين الجانبين عن هشاشة وقف إطلاق النار، والاحتقان المتراكم على الجبهة في ظلّ موجات تحريض مستمرة على انتهاج الخيارات العسكرية، فيما لم يتبقَّ سوى أقل من 40 يوماً على انتهاء مهلة تطبيق اتفاق العاشر من آذار الموقّع بين الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، والقائد العام لـ«قسد» مظلوم عبدي. والجدير ذكره، هنا، أن «قسد» تتّهم فصائل «الجيش الوطني» الموالية لتركيا والمنضوية ضمن وزارة الدفاع، بتنفيذ اعتداءات تهدف إلى التشويش على مسار الاتفاق ودفع الطرفين نحو المواجهة.

وبخلاف التسريبات والتوقّعات، فشلت الجهود الأميركية في عقد جولة مفاوضات جديدة حاسمة بين الجانبين، رغم مرور نحو أسبوعين على زيارة الشرع لواشنطن التي رافقتها قراءات عن وجود تصوّر أميركي حاسم لملف دمج «قسد» في الجيش السوري، وذلك عقب الاجتماع الثلاثي الذي ضمّ وزراء خارجية الولايات المتحدة وتركيا وسوريا. ويكشف هذا التأجيل وجود خلافات عميقة بين الجانبين حول صيغة الاندماج النهائي لـ«الإدارة الذاتية» في مؤسّسات الدولة الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى استمرار التباين في تفسير «اللامركزية» بين النموذج الإداري المطروح من جانب دمشق، والمفهوم السياسي الذي تتمسّك به «قسد».

وأظهرت مواقف عبدي، خلال مشاركته في «منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط» في دهوك، تلك التباينات بوضوح؛ إذ لفت إلى وجود «تقدّم في المحادثات مع دمشق لكن لا تزال ثمّة عقبات»، معتبراً أنه «لا يمكن أن تعود سوريا إلى دولة مركزية بعد 15 عاماً من الحرب». وأعرب، في الوقت نفسه، عن أمله في أن «تحقّق عملية السلام والحوار بعض المكاسب بعد اللقاءات التي جرت في واشنطن»، مشدّداً على أن «قسد لا تشكّل خطراً على تركيا». كما رأى أن «اتفاقية 10 آذار حالت دون الحرب ومنعت تقسيم سوريا»، مشيراً إلى «(أننا) اخترنا طريق الحوار، فالمشكلات لا يمكن حلّها بالحرب». كما لفت إلى أن «اتفاقية آذار ستُطبّق إذا كانت هناك إرادة سياسية»، داعياً دول الجوار إلى أن تؤدّي «دوراً إيجابياً في تطبيق الاتفاقية».

وإزاء ما تقدّم، تؤكّد مصادر ميدانية كردية أن «الحكومة السورية، بعد موافقتها على دمج قسد ككتلة واحدة ودمج «الأسايش» في بنية وزارة الداخلية، عادت لترفض التعامل مع مطلب اللامركزية»، متّهمةً «أنقرة بالضغط على دمشق لرفض الحوار والتمسّك بمركزية الدولة وحلّ قسد وكامل تشكيلاتها العسكرية». وتشير المصادر إلى أن «جولة من المفاوضات كانت مُقرّرة بعد أسبوع من عودة الشرع من واشنطن، لكن ذلك لم يحصل»، متحدّثةً عن «وجود خلافات واسعة حول ملفات عدّة». كما أكّدت «وجود جهود أميركية لتحديد موعد جديد للجولة المقبلة ومناقشة القضايا كافّة بشفافية»، لافتةً إلى أن «ملف تطبيق اتفاق 10 آذار بات فعلياً في يد واشنطن التي تمارس ضغوطاً على الجانبين للتوصّل إلى توافق نهائي يُرضي تركيا أيضاً، قبل انتهاء المهلة المحددة».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى