بين قوسينكتاب الموقع

استبداد الربيع …

استبداد الربيع بدأت تلوح في الأفق  حالة عامة من التململ والارتباك حول مصير أحلام ثورة مصحوبة بالدمع والدم والتضحيات … تمخض عنها تحرر مبين من عقود القمع والاستبداد ليغرق الشعب بعدها في نشوة الحرية والانتصار  ..
ولكن بعد أقل من عام على أداء حكومات انتخبها هذا الشعب بنشوة المنتصر المتحمس لبديل أفضل .. يجد الشعب  نفسه متخبطا بين حالة من الاحباط المترافق بيأس من شبه حكومات، لبست رداء الديمقراطية، وتزينت بشعارات الثورة الرنانة من حرية ومساواة وعدالة اجتماعية… لتكشف عن عورة استبداد بشكل جديد وقمع من نوع أخر.
فالقمع السياسي أساساً الذي ناضلت شعوب الربيع العربي لتتحرر منه يقوم على كم الأفواه ، واحتكار السلطة والقيادة والقرار ، ومنع الحياة السياسية وحصرها بموالي النظام والمهللين  له .. لينالوا مزايا ومكرمات .. عطاءات وهبات، على حساب باقي أفراد الشعب المسحوق .. مما ينتج عنه انحصار الثروات و المناصب والقيادات بفئة المطبلين والمزمرين  فقط  فتنتشر الرشوة و يعم الفساد مؤدياً الى انعزال السلطة و انفصالها عن الشعب ببرج عاجي لا يلامس معاناة الشعب ولا قضاياه ومسببة النقمة والأحقاد .. واحتكارالحياة السياسية والحريات الفكرية التي تشكل الخطر الأكبر على سيادة السلطة وحماية التسلط ….. انه استبداد بقالب اقتصادي سياسي.
أما القمع الديني القائم على استلام أحزاب دينية للسلطة ، فاستبدادها يأخذ شكلاً اجتماعياً أكثر قرباً من الحياة العامة للمجتمع والفرد .. حيث أن حدودها لا تقف عند حد السياسة، بل تتغلغل في الحياة الخاصة للأسرة والفرد وتتدخل في تفاصيل حياته اليومية بدءاً من طريقة لباسه الى تنظيم علاقاته مع كل من حوله من أسرته وعمله وعلاقاته الاجتماعية .. لتصل الى  تحريم وتحليل أمور تطال بعضاً من رغباته وأفكاره الشخصية، ومنها ينطلق تقييم الولاء للسلطة  من درجة طاعة القائد والالتزام بقواعد العقيدة والدين .. مما يؤدي الى انفصال المجتمع الى شرائح وطبقات  يتفاوت رضى الطغمة الحاكمة عليها حسب ارتباطها العقائدي و التزامها بتعاليم الدين وتأديتها فروض الطاعة للتحليل والتحريم، ليكون هناك مواطنون درجات حسب انتماءات طائفية لم يختاروها إنما وهبت لهم بالوراثة الأسرية … ففي مجتمعاتنا العربية الدين وراثة وليس محض اختيار …..!! إنه استبداد بقالب اجتماعي ديني سياسي.
أيهما الأسوأ ؟؟؟  فالاستبداد واحد في الحالتين حتى لو تغيرت المسميات وتنوعت الاختلافات،  طالما ليست المواطنة هي الجامع الضامن للحرية والعدالة والمساواة .
هذا ما يقلق شعوب الربيع العربي ويثير حفيظتهم ضد قادة نتجوا على أسس ثورات حرية وعدالة وكرامة، وبدأوا يحكمون ويحاولون فرض سطوتهم  والسيطرة على شعوبهم بحشر الدين بالسياسة  ..ليضيفوا هالة من القداسة على حكمهم .. ومنحه شرعية من الله …. سبق وقلنا المشكلة ليست بالدين المشكلة بمن يتستر خلف الدين ليمارس قمعه واستبداده  ولو بشكل جديد .. كما أن المشكلة لا يجب ان تكون بمفهوم العلمانية التي يحاولون ربطها بالالحاد والابتعاد عن الله .. فالعلمانية تبقى هي الضامن الوحيد للمواطنة في دول تتنوع فيها الانتماءات الدينية والطائفية .. وتورث العقائد والديانات ….
حيث يكون الدين لله والوطن للجميع .

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى