استراتيجية خامنئي لفترة ولاية أوباما الثانية (مهدي خلجي)

 

مهدي خلجي

 

في ضوء الضغوط المستمرة من الخارج والمشاكل الاقتصادية والسياسية المتصاعدة في الداخل، يعمل آية الله علي خامنئي على الاستعداد لاحتمالية تقديم عرض تسوية سخي من الرئيس أوباما يتيح لإيران إنهاء خطر شن هجمات عسكرية على منشآتها النووية. ويبدو أن المرشد الأعلى قد أدرك أن هناك اختلاف ضئيل بين الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر باحتمال امتلاك إيران لأسلحة نووية – حيث أوضح كلا المرشحين خلال مناظرتهما الأخيرة بأن سياسة الولايات المتحدة هي الوقاية والمنع. وتُدرك طهران أن عدم تحقيق تقدم كبير في المفاوضات قد يكون مبرراً للهجوم.
بيد أن خامنئي يواجه كذلك معضلة محلية خطيرة. فإذا ساءت الأزمة الاقتصادية أكثر مما هي عليه الآن، فقد يجد نفسه مضطراً للتوصل إلى اتفاق قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة في حزيران/يونيو 2013.
ومع ذلك، وفي الوقت ذاته، فإنه لا يرغب أن تتم الإشادة بمحمود أحمدي نجاد المنتهية ولايته أو بديله حول اتفاق يقلل من العقوبات الدولية، حيث إن ذلك سيزيد من شعبية الرئاسة وصلاحياتها على حساب المرشد الأعلى. والأهم من ذلك كله أنه لا يريد أن يضر بصورته – في الداخل وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي – من خلال ما يبدو أنه يستسلم للضغوط الخارجية إذا كان بإمكانه تجنبها.
 
المشاكل السياسية سيئة كالعلل الاقتصادية
على الرغم من أن مشاكل ايران الاقتصادية قد تلقت الكثير من الاهتمام في الآونة الأخيرة، إلا أن المناخ السياسي في صفوف النخبة الحاكمة في إيران يمثل صداعاً كبيراً لخامنئي. وعلى غرار سابقيه في السلطة كان أحمدي نجاد مصدر خيبة أمل كبيرة لخامنئي الذي كانت لديه آمال عريضة بأن يطبق الرئيس أجندة المرشد الأعلى بدلاً من جدول أعماله هو. وبالنظر إلى الوضعية الضعيفة نسبياً التي كان يحظى بها أحمدي نجاد قبل توليه السلطة، فإنه اعتمد على الآية الله ومؤسساته لكي يعتلي سدة الحكم. كما كان خامنئي يؤمن بأن أحمدي نجاد سوف يساعده على التخلص من الإصلاحيين والتكنوقراط بقيادة الرئيسين السابقين محمد خاتمي (1997-2005) وأكبر هاشمي رفسنجاني (1989-1997).
لكن تبين أن أحمدي نجاد يمثل عقبة كبيرة. ففي أعقاب الاحتجاجات الشعبية الواسعة ضد الانتخابات الرئاسية المزورة عام 2009، اضطر خامنئي إلى دعم سياسات أحمدي نجاد بصورة رسمية من أجل تعزيز شرعية الأخير. وهذه الموافقة الصريحة جعلته غير قادر على انتقاد أفعال أحمدي نجاد علانية كما فعل لرفسنجاني وخاتمي خلال فترتي ولايتهما. وسرعان ما استغل أحمدي نجاد هذه الفرصة لتأكيد سلطته وشرعيته، ويُفترض أنه اعتمد على واقعية انتخابه من قبل الشعب. ومنذ ذلك الحين وهو يزيد من جهوده العلنية والسرية لتأكيد صلاحياته مقابل صلاحيات المحافظين الذين أيدوه في السابق، وضد "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" وغيره من المؤسسات التي يديرها المرشد الأعلى. ولعدم استطاعة خامنئي مهاجمة أحمدي نجاد بشكل مباشر، فقد منَح المرشد الأعلى الضوء الأخضر للقضاء والبرلمان للضغط على الرئيس لسوء إدارته والفساد الاقتصادي لحكومته.
وبعد أن تعذر على أحمدي نجاد تسوية مشاكله مع خامنئي من وراء الكواليس، فإنه جهر بها. وتعد رسالته المفتوحة من 23 تشرين الأول/أكتوبر إلى رئيس السلطة القضائية الإيرانية صادق لاريجاني مثالاً واضحاً على ذلك. ففي السابق خطط أحمدي نجاد زيارة سجن إيفين في طهران، مؤكداً بأن من مسؤوليته الإشراف على جميع فروع الحكومة الثلاثة والتأكد أن أي منها لا يخرق الدستور. إلا أن لاريجاني بعث إليه برسالة "سرية للغاية" يرفض فيها طلبه، ونظراً لأن المستشار الصحافي السابق لأحمدي نجاد علي أكبر جوانفكر يقضي عقوبته في إيفين، فقد جادل لاريجاني بأن الزيارة الرئاسية قد تُفسر على أنها تحرك سياسي للتقويض من السلطة القضائية. واحتدم الغضب بأحمدي نجاد فبعث برسالة مفتوحة حول هذه القضية. وقد أدى نشر الخلافات السرية علانية إلى إزعاج لاريجاني لدرجة أنه رد برسالة مفتوحة من جانبه – وكان خطابه هذا أكثر قسوة وشدة مما كتبه أي من سابقيه على الإطلاق.
وسرعان ما تدخل خامنئي، بتحذيره صراحة رؤساء فروع الحكومة الثلاثة من مغبة الجدال على الملأ. وبعدها بعث كل من صادق لاريجاني وشقيقه رئيس مجلس النواب علي لاريجاني برسالة [شخصية] إلى خامنئي أعادا تأكيدهما على ولائهما له. لكن أحمدي نجاد بعث برسالة تكاد تكون ساخرة، حيث أكد فيها بأن خامنئي لا ينوي بالطبع تقويض الرئاسة لأنها المنصب الثاني الأكثر أهمية في الجمهورية الإسلامية، والوحيد المنتخب من قبل عامة الشعب. وبالإضافة إلى ذلك، تشير العديد من التقارير التي لا مصدر لها بأن أحمدي نجاد هدد مراراً وتكراراً بالاستقالة من منصبه في حالة استمرار الضغوط عليه، حيث يعلم أن تلك الخطوة هي آخر ما يريده خامنئي في ظل الظروف الحالية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات وتدهور الوضع الاقتصادي، فقد يزيد أحمدي نجاد من تحركاته الطموحة. فعلى سبيل المثال تشاجر مؤخراً مع لاريجاني، حيث يتهم كل منهما الآخر (وهذا صحيح) بالإضرار بالاقتصاد. بيد أن الهدف الحقيقي للرئيس هو سلطة خامنئي والأفراد أو المؤسسات المرتبطة بهذه السلطة. وسواء رد خامنئي أو التزم الصمت، فإن هذا التشاجر الداخلي سيكون مكلفاً له – لا سيما وأنه قد يعزز من مكانة شخصيات مهمشة مثل رفسنجاني، الذي انتقد أحمدي نجاد من البداية.
 
التعقيدات المترتبة عن فوز أوباما
لدى خامنئي سببان مقنعان على الأقل لا تجعلانه سعيداً بإعادة انتخاب أوباما.
……..أولاً، لو فاز ميت رومني في الانتخابات الأمريكية لكان أمام طهران عدة أشهر على الأرجح لالتقاط الأنفاس قبل تولي الرئيس الأمريكي الجديد مهام منصبه، وتشكيل فريقه للأمن القومي، ومحاولة استئناف المفاوضات عبر P5 +1 (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا). أما فوز أوباما فلا يترك مجالاً للأعذار بشأن تأخير إجراء محادثات جديدة.
…….. ثانياً، قد يتعين على خامنئي الآن التعامل مع رد فعل معاكس لو أنه قرر التفاوض. فلا شك بأن منتقديه المحليين سيتساءلون عن سبب عدم توصله إلى اتفاق مع إدارة أوباما منذ سنوات، عندما كانت هناك عقوبات أقل؛ ومثل هذا التدقيق والانتقاد قد يُضعف من موقفه في الداخل. وعلى نحو مماثل، فإن التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يمكِّن منافسيه الذين شجعوا إجراء مفاوضات مع واشنطن – فقط ليروا خامنئي يعيق جهودهم ويعرقلها في النهاية. (ومن بين هؤلاء رفسنجاني، ومؤخراً أحمدي نجاد أيضاً، على الرغم من أنه من غير الواضح أن أياً منهما قد تعاطى في الواقع مع الولايات المتحدة، وإذا كانت لديهما السلطة للقيام بذلك بمبادرتهما؛ فللجمهورية الإسلامية تاريخ طويل من المحاولات التي دعا فيها أولئك الذين هم خارج السلطة إلى المبادرة بمثل هذا التعاطي، بينما يرفضون القيام بذلك عندما يأتون إلى الحكم.) ولن يرغب خامنئي في المخاطرة بتعزيز وضع منتقديه قبل فترة وجيزة من الانتخابات.
 
التأثير على موسم الانتخابات الإيرانية
إذا شهد الوضع الاقتصادي مزيداً من التدهور، فقد لا يكون خامنئي قادراًعلى الانتظار حتى موعد الانتخابات في حزيران/يونيو لإحراز تقدم كبير في المفاوضات مع الغرب. وفي الوقت نفسه، يُفترض أنه لا يرغب في إبرام اتفاق يمكن بموجبه أن يُشاد بأحمدي نجاد في نهاية المطاف. إن الأزمة الاقتصادية مروعة للغاية كما أن القلق الاجتماعي عميق جداً إلى درجة أن خامنئي قد يعتقد بأن حتى  أنصاف الحلول (على سبيل المثال، رفع عقوبات معينة) قد تعزز من مكانة الرئيس لو آمن الناس بأن أحمدي نجاد كان مسؤولاً عن التوسط للوصول إلى تلك الحلول. إن الفائدة الوحيدة المتبقية من أحمدي نجاد بالنسبة للمرشد الأعلى هي أن يكون كبش فداء للفوضى الاقتصادية.
وبالإضافة إلى ذلك، لا يرغب خامنئي في أن تبدأ الحملة الرئاسية في الوقت الحالي. ونظراً لما يواجهه من امتعاض شعبي بسبب تأثير العقوبات، فهو يصب أولويته على التركيز على وحدة الحكومة. كما أنه يرغب في تجنب قيام موسم طويل من الحملات الانتخابية ينطوي على احتمالات كبيرة بانتقاد النظام وسياساته، وهو ما قد يدفع الناس إلى إثارة اضطرابات واسعة. ومع ذلك، فالمناورات التي تسبق الانتخابات سارية بالفعل على قدم وساق – فبحلول موسم عطلة النوروز التي تستمر أسبوعين في أواخر آذار/مارس، ستركز النخبة الإيرانية جل اهتمامها على سباق الرئاسة لدرجة أن أعضاء هذه النخبة قد يواجهون صعوبة في التركيز على أي مفاوضات مع الأجانب.
وفيما يتعلق بالانتخابات ذاتها، سوف يلعب خامنئي مرة أخرى الدور الرئيسي في تحديد الرئيس القادم. والمرشح المثالي بالنسبة له هو أن يأتي برئيس لا يكون في وسط الأضواء ويُنصت إليه بدلاً من أن يتبع طموحاته الخاصة. وهذا التفضيل – إلى جانب خوف خامنئي من رئيس يصبح بطلاً شعبياً لتخفيفه العقوبات – يعني أنه من غير المرجح للغاية أن يلعب خليفة أحمدي نجاد دوراً كبيراً في سياسة إيران الخارجية والنووية. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن يتحمل خامنئي – أكثر بكثير من الماضي – المسؤولية العامة عن أي قرار يتخذه بشأن التوصل إلى اتفاق نووي.

معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى