استغلال لقاصرات المخيمات تحت اسم الزواج
استغلال لقاصرات المخيمات تحت اسم الزواج ! أكثر من 5 معاملات يومياً لزواج القاصرات تنجزها محكمة دمشق الشرعية، إلا ان هذه الأرقام لا تعكس حقيقة الظاهرة، ولا تعبر عن مدى انتشار هذا النوع من الزواج، في ظل استفحال الظاهرة بالمناطق الأخرى، مثل: الأرياف الساخنة ومخيمات اللجوء، حيث باتت بعض الأسر تجد في تزويج بناتها القاصرات، وسيلة لتخفيف عبئها الاقتصادي.
وبعد أن خسر الملايين مكان سكنهم ومصدر رزقهم نتيجة الحرب، ويشكّل أفراد الأسرة وتحديداً الفتيات منهنّ، عبئاً على رب العائلة، لتأمين متطلبات الحياة، فرغبة منه بتخليصهن من مشقة الهجرة واللجوء، وإيجاد من يؤمن لهن مستلزمات المعيشة، كانت عروض الزواج مغرية لأرباب تلك العائلات، خاصة عند تقديم مهور مرتفعة القيمة، إذ أمنت الزيجات من وجهة نظر الأهل «السترة» لبناتهم، وخففت من نفقتهم، فضلاً عن حصولهم على مبالغ كبيرة من المال في بعض الحالات، التي حدثت في مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن (مخيم الزعتري).
وانتشرت الظاهرة بشكل بارز في المناطق التي يتجمع بها النازحون السوريون. كالمخيمات الواقعة على الحدود السورية التركية شمال محافظة إدلب. وفي مخيمات اللاجئين في لبنان والأردن وبدرجة أقل في تركيا.
استغلال لقاصرات المخيمات تحت اسم الزواج
عريس واستمارة وسمسار زواج!
ذاع صيت زواج القاصرات على وجه الخصوص، في مخيم (الزعتري) الأردني، حيث يشرف على إتمام الزيجات، سماسرة الزواج المنتشرين داخل المخيم، الذين يقومون باختيار الفتيات الأجمل والأصغر، لأثرياء معظمهم متزوّج أو متقدّم في السن يتقدمون بطلباتهم عبر استمارات لأولئك السماسرة.
ويستغل هؤلاء السماسرة حاجة الأسر اللاجئة وفقرها، وخوفها من أخطار اللجوء وما قد يؤول إليه حالهم في الغد المجهول، حيث يعرض العريس الثري على العائلات مبالغ كبيرة تصل لآلاف الدولارات، للموافقة على تزويج بناتهم القاصرات، ويتم إقناع الأهل بأن الزوج سيقوم بتثبيت عقد الزواج في بلده فور عودته له.
وغالباً ما يكون العريس ثري عربي ومتقدم في السن، يأخذ عروسه القاصر إلى داخل عمان، حيث استأجر شقة من المفترض أنها منزل الزوجية، إلا أن هذا العريس الخمسيني يختفي بعد أيام أو شهر على الأكثر، لتعود العروس لخيمة أهلها، وقد تم الإيقاع بهم، وتنتهي القصة دون أي عقد رسمي يثبت الزواج.
6 آلاف لاجئة قاصر سورية تتزوج شهرياً في الأردن
لا توجد إحصائيات رسمية عن عدد اللاجئات القاصرات اللاتي تزوجن خلال السنوات الأخيرة، ويعزى ذلك بالدرجة الأولى إلى أن معظم هذه الزيجات لا تكون مسجلة رسمياً.
لكن بحسب تقديرات الدكتور أشرف العمري القاضي في دائرة القضاة الأردنية، فقد بلغت نسبة زواج القاصرات (15-18 سنة) بين اللاجئات السوريات في الأردن نحو 35 % في عام 2015، في مقابل 25% عام 2014، و 18 % عام 2013، ما يشير إلى تفاقم هذه الظاهرة، حيث تم رصد أكثر من 6 آلاف حالة زواج مبكر شهرياً بين اللاجئات السوريات في الأردن.
ويرفض القانون الأردني تزويج الفتاة إلا بعد تجاوزها سن الـ 18، إلا في حالات معيّنة بترك تقديرها للقاضي الشرعي، كون هذه السن تعتبر معياراً للنضج، خصوصاً أن الفتاة قبل ذلك لا تكون جاهزة للزواج جسدياً أو عقلياً أو عاطفياً.
استغلال لقاصرات المخيمات _ «استغلال جنسي» و«انتهاك للحقوق»
تعتبر «منظمة الهجرة الدولية» الزواج المبكر الشائع في الأرياف السورية، «انتهاك صارخ لحقوق الإنسان». في حين ترى زواج القاصرات في مخيمات اللجوء «يكون قصير الأجل عادة. ويمكن ألاّ يدوم أكثر من 24 ساعة»، معتبرة أنه «غطاء قانوني للاستغلال الجنسي».
كما تحيط بظاهرة الزواج المبكر، العديد من النتائج السلبية على حياة القاصر. فمن المحتمل أن لا تتمكن القاصر من التكيف مع واقعها الجديد. الذي تفرضه الحياة الزوجية، وما يترتب عنه من مسؤوليات كبرى، الأمر الذي يؤدي إلى وقوع حالات انتحار أو هروب من الواقع عبر إدمان الكحول أو المخدرات.
زواج طلاق فانتحار
شهد شهر آذار من العام الجاري، حادثة انتحار قاصر سورية تبلغ من العمر 15 عاماً. وضعت حداً لحياتها في إحدى ضواحي مدينة غازي عنتاب التركية التي تستضيف عشرات آلاف اللاجئين جنوب تركيا. حيث قامت بإطلاق النار على رقبتها. وذلك بعد أقل من شهر من عودتها من مدينة قيصري التركية. حيث كانت تقيم مع زوجها السوري الذي تزوجها في حلب في شهر آب 2015 قبل أن ينتقلا معاً إلى تركيا. وبحسب الشرطة التركية فإن الأوضاع النفسية الصعبة التي كانت تمر فيها بعد طلاقها السريع وعودتها للسكن مع والدتها وستة من أخوتها في المزرعة التي تقيم فيها العائلة، دفعتها للانتحار.
ويحذر الأطباء المختصون .من أن أجساد الفتيات اللاتي يتزوجن في أعمار مبكرة لا تكون مستعدة لتحمل أعباء الحياة الزوجية. ما يؤدي إلى مشاكل صحية. أهمها: تأخر الحمل والولادة المبكرة واختناق الجنين في بطن الأم، الأمر الذي يترك مضاعفات جسدية ونفسية سيئة على الأم أيضاً.
طرق ملتوية!
وكشفت إحصائيات قضائية ليست حديثة، عن وجود نسبة كبيرة من معاملات الزواج لقاصرات أقدمن على الزواج عرفياً. إذ يتجاوز عدد معاملات تثبيت الزواج للقاصرات اللواتي تزوجن خارج المحكمة الشرعية 100 حالة يومياً من بين أكثر من 400 حالة تتم يومياً في سورية.
ويرفض في بعض الحالات القاضي الشرعي المعاملة. لرؤيته أن الفتاة غير مكتملة النضوج، أو أن فارق السن بينها وبين الزوج كبير جداً. حيث لا يعتبر هذا الزواج في مصلحة الفتاة. الأمر الذي يدفع الآباء المصرين على إتمام الزواج إلى تزويج بناتهم عرفياً، أي خارج المحكمة، وبعد أن تحمل الفتاة، تتقدم بدعوى تثبيت الزواج.
وبحسب الإحصائية. يشكل عدد معاملات زواج القاصرات في دمشق 10% إلى 15% من معاملات الزواج. بمعدل نحو 5 معاملات من مجمل المعاملات، التي يصل عددها إلى 200 معاملة يومياً. في المحافظات السورية جميعها.
القانون للفتاة البالغة بعمر 13 سنة: تزوجي!
ويعتبر القانون السوري، من أبرز المحفزات والمبررات التي تكرس ظاهرة الزواج المبكر. حيث أتاح في المادة 18 من قانون الأحوال الشخصي لعام 1950، للفتى الذي أتم الخامسة عشر من عمره الزواج في حال تأكد القاضي الشرعي من بلوغه. كما أتاح زواج الفتاة في حال أتمت الـ13 من عمرها عند إثبات بلوغها.
وحدد بالعموم في مادته رقم 16 عمر اكتمال أهلية الزواج بالنسبة للفتى بإتمام 18 من عمره. وللفتاة بإتمام الـ17 من عمرها.
في حين ذكرت المادة 19 من القانون ذاته، أنه من شروط الكفاءة الزوجية تناسب السن فإذا كان الخاطبان غير متناسبين سنا. ولم يكن مصلحة في هذا الزواج فللقاضي ألا يأذن به.
المشكلة وأساسها!
تستدعي مواجهة مثل هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة، والمتنامية مع سنوات الحرب، تكاثفاً في الجهود الحكومية على مستويات متوازية عدة. تتلخص، بإعادة النظر بالسياسات الاقتصادية الاجتماعية بداية. التي اعتمدت مبدأ الاهتمام بمناطق على حساب مناطق أخرى. ما دفع بالجهل والفقر للتفشي في مجتمعات تلك المناطق، حيث أظهرت إحصائيات أنه في عام 2012 و2013 سجلت 15 حالة قتل لقاصرات بعد اغتصابهن. حدث معظمها في ريف حلب وإدلب. بينما سجلت ريف دمشق حالة واحدة، وحالتين في الرقة، أما عام 2010 فقد سجلت 10 حالات اغتصاب وقتل لقاصرات.
ومن الناحية القانونية. يبدو أن قانوني العقوبات والأحوال الشخصية بحاجة لتعديل موادهما المتعلقة بهذه القضية. من حيث تشديد العقوبة على من يقدم على الزواج من قاصر، إذ تنص كل من المادتين 491 و942 من قانون العقوبات الصادر عام 1949 على أنه من جامع قاصراً ولم يتم الخامسة عشرة عوقب بالأشغال الشاقة تسع سنوات. وقد يصل الحكم إلى خمس عشرة سنة حسب تقدير القاضي، وإلى حكم الإعدام في حال القتل بعد الاغتصاب.
كذلك لا بد من رفع السن القانونية للزواج عما هي عليه في القانون الحالي. فرغم تشكيل ورشات عمل للنظر في «إمكانية» تعديل بعض المواد في قانون الأحوال الشخصية، من ضمنها سن أهلية الزواج للفتاة، حيث تم اقتراح رفع أهلية زواج القاصر إلى سن 18 سنة بعدما كان اكتمال أهليتها في سن 17 سنة. كخطوة لتوحيد سن اكتمال أهلية الزواج بين الشاب والفتاة، إلا أن النتائج لا تزال غائبة عن الصدور أو التطبيق.
وقالت وزارة الأوقاف. أنها تسعى لتخفيف ظاهرة زواج القاصرات الأمر الذي اعتبرته من أبرز المفرزات السلبية للأزمة. حيث قامت بتعيين مأذونين شرعيين في المناطق البعيدة للتخفيف من انتشار الظاهرة خارج المحكمة الشرعية. والتي تشكل ما نسبته 60 بالمئة من هذه الحالات.