استقالة الكتلة الصدرية: لبنان والعراق – المرايا المتعاكسة
خلطت استقالة نواب الكتلة الصدرية من البرلمان العراقي، وعددهم 73 نائباً، الأوراق في الساحة العراقية، ووضعت الجميع أمام مشهد جديد، سيكون مفتوحاً على جميع الاحتمالات.
يعيش لبنان والعراق منذ العقد المنصرم، أحداثاً متشابهة ومترابطة في آن معاً. فما إن مرّت أسابيع قليلة على “الثورة” في العراق عام 2019، حتى اندلعت ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر في لبنان. ويشهد كل من البلدين انقسامات سياسية وطائفية ومذهبية، وانسداداً في الأفق السياسي، بصورة متشابهة تقريباً.
خلطت الانتخابات النيابية الأوراق في الساحة العراقية، وسيطر على الحديث، سياسياً وإعلامياً، خطابُ الأكثريات والأقليات، ومَن يملك الكتلة الأكبر، في موقف مماثل تماماً للنقاش الذي ساد، سياسياً وإعلامياً، بعد الانتخابات النيابية اللبنانية في أيار/ مايو المنصرم.
المشهد في البرلمان اللبناني تباين قليلاً عن مشهد البرلمان العراقي، بحيث استطاعت الكتلة الصدرية عقد تحالفات مع كتل أخرى، أدّت إلى وصول مرشحها إلى رئاسة البرلمان العراقي، وهو ما لم تستطع القيام به في لبنان الكتلُ التي أعلنت نفسها رأسَ حربة في مواجهة “المشروع الإيراني في لبنان”، ووضعت برنامجاً لسحب سلاح حزب الله ومكافحة الفساد، وهو برنامج مشابه للبرنامج العراقي، الذي يطالب بسحب سلاح الميليشيات في العراق ومكافحة الفساد.
وكما في العراق، كذلك في لبنان، طالب الصدر بتشكيل حكومة أغلبية، ورفض فكرة حكومة الوحدة الوطنية، التي أصرّ عليها “الإطار التنسيقي”، وهو الأمر نفسه الذي طرحه قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي أكد أن الأكثرية النيابية تبدّلت. وبالتالي، يجب تشكيل حكومة أغلبية على أن تكون الأقلية في المعارضة، وهو موقف معاكس لموقف حزب الله وحلفائه، الذين عَدّوا أن حكومة الوحدة الوطنية هي الإطار الأمثل في هذه الظروف من باب فتح المجال للجميع لتحمّل المسؤولية.
وفي مشهد يشبه المشهد اللبناني، لم يستطع العراقيون انتخاب رئيس للجمهورية، بعد الفشل في تأمين النصاب القانوني المطلوب في البرلمان، وهو ثُلُثا أعضاء المجلس (أكثر من 220 نائباً من أصل 329) بسبب مقاطعة “الإطار التنسيقي” للجلسات. وهو مشهد مألوف لبنانياً، بحيث استمرّ الفراغ الرئاسي مدة عامين ونصف عام، بدأت مع نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان في 25 أيار/مايو 2014، حتى تسلّم الرئيس ميشال عون الحكم في لبنان في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2016. وهو أمر متوقَّع حدوثه بشدّة بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون في تشرين الأول/أكتوبر في هذا العام.
وهكذا، يُخشى أن يدفع الصدر أنصاره إلى التظاهر اعتراضاً، فينتقل الصراع من المؤسسات إلى الشارع، مع ما يمكن أن يؤدي ذلك إلى خلط أوراق داخلية وإقليمية، ومحاولة عدد من القوى الدولية والإقليمية أخذَ مكاسب سياسية على وقع التوترات الأمنية والدماء في الشارع. ويبدو أن الأمور تتَّجه إلى استمرار حكومة الكاظمي في تصريف الأعمال إلى أَجَلٍ غير محدَّد، وهو ما يتوقع حدوثه في لبنان أيضاً.
وهكذا، يبدو أن التأزُّم في الساحة العراقية، وانسداد الأفق السياسي، يهدّدان بانهيار العملية السياسية، وبالذهاب إلى الشارع مجدَّداً، مع ما يمكن أن يؤدي ذلك إلى صدامات وتوترات أمنية، وهو مشهد يتلاقى مع التوتر في لبنان، والمنطقة بصورة عامة، بحيث تسير الأمور في توتر متعمَّد، ومتصاعد في عدد من الدول، وذلك كما يلي:
1– سوريا:
تصاعد التصعيد الإسرائيلي ضد سوريا، عبر قصف مطار دمشق الدولي وإخراجه من الخدمة، وذلك بعد سلسلة مستمرة من الهجمات الإسرائيلية على مواقع سورية، تدّعي “إسرائيل” أنها مواقع عسكرية تابعة لحزب الله أو للحرس الثوري الإيراني. وهذا التصعيد نحو أهداف مدنية سورية سيادية، يشي بأن “إسرائيل” تريد أن تستدرج رداً عسكرياً من سوريا أو من حلفائها، من أجل خلط الأوراق في المنطقة.
2– إيران:
لا شكّ في أن الرهان على تطور إيجابي في الملف النووي الإيراني بات بعيداً، أقلّه قبل الانتخابات النصفية الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وقد يكون لفترة طويلة بعدها.
بات الوقت يلعب لمصلحة إيران بعد التوقيع على الاتفاقيات الاستراتيجية مع الصين، وقدرة إيران على بيع نفطها في الأسواق العالمية على الرغم من الحظر، وازدياد اليقين الإيراني من أن لا أمل لإيران فيما يتعلق بعلاقات اقتصادية واستثمارية طبيعية مع أوروبا (كما كانت تطمح إدارة روحاني)، في ظل التوتر مع “إسرائيل” والولايات المتحدة.
استطاعت إيران تخطّي نظام العقوبات بفعالية، فلقد عادت الطاقة الإنتاجية للنفط الإيراني إلى مستوى ما قبل الحظر (تصريح للمدير التنفيذي لشركة النفط الإيرانية، في 2 نيسان/أبريل 2022). وذكر المسؤول الإيراني أن مستوى إنتاج النفط في إيران بلغ نحو 3 ملايين و838 ألف برميل يوميّاً قبل الحظر الجديد، أي قبل شهر أيلول/سبتمبر 2018، وأن صادرات بلاده من النفط زادت بنسبة 40% في فترة ذروة الحظر.
وهكذا، انتقلت إيران من سياسة الدفاع إلى الهجوم، فالتصعيد الأميركي والتصعيد الإسرائيلي بات يقابلهما ردٌّ مضاعَف إيراني: احتجاز اليونان سفينة نفط إيرانية بطلب أميركي، قابله احتجاز إيران سفينتي نفط يونانيتين. وبعد كشف الإعلام الإسرائيلي والإعلام الأميركي أن “إسرائيل قامت بإبلاغ الولايات المتحدة أنها المسؤولة عن اغتيال العقيد في الحرس الثوري الإيراني، حسن صياد خدائي”، كشفت وسائل إعلام إيرانية هجوماً، عبر طائرة مسيّرة انتحارية، استهدف 3 مركبات في الطريق السريع الرئيسي في مدينة أربيل، قتل ضابطاً في جهاز الموساد الإسرائيلي. ومؤخَّراً، أوقفت إيران عمل عدد من كاميرات المراقبة داخل منشآتها النووية، رداً على ما عَدَّته تحيّزاً ضدها من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
بالنتيجة، يبدو أن الصراع في أوكرانيا لن يحيّد منطقة الشرق الأوسط عن الصراع، ولن يدفع الأطراف إلى قبول الستاتيكو القائم، بل يبدو أن هناك اندفاعة أكبر إلى افتعال توترات مصطنعة داخل الدول – الساحات، وأهمها العراق ولبنان. فإلى أين تتجه الأمور في العراق بعد استقالة الكتلة الصدرية؟ وهل سيلتهب الشارع في العراق مجدَّداً، ويتبعه الشارع في لبنان، لتكون الحال كما دائماً: بين لبنان والعراق، لعبة مرايا متعاكسة؟