
اسكندر حبش «غادرنا على عجل» : «أتذكر رغبةً/ تركها رجل/ حين أضاع ذراعيه القديمتين/ قولي أيتها الجميلة/ أتكفي حياة كاملة/ لتنقصف زهرة بين يديك؟ أأستطيع النوم/ وأنا أبحث عن سراب أسمعه؟/ سراب يمد يديه/ ليدفعني باتجاه هذا الموت؟/ أحرق حلماً، كلمة/ لم يعد لي سوى أن أحرس هيكل الذئب».
«أتذكر رغبةً/ تركها رجل/ حين أضاع ذراعيه القديمتين/ قولي أيتها الجميلة/ أتكفي حياة كاملة/ لتنقصف زهرة بين يديك؟ أأستطيع النوم/ وأنا أبحث عن سراب أسمعه؟/ سراب يمد يديه/ ليدفعني باتجاه هذا الموت؟/ أحرق حلماً، كلمة/ لم يعد لي سوى أن أحرس هيكل الذئب».
المجموعة الشعرية الأولى للشاعر الراحل اسكندر حبش
حملت المجموعة الشعرية الأولى للشاعر الراحل إسكندر حبش (1963-2025) الصادرة عام 1988 عنوان «بورتريه رجل من معدن».
إلا أنّ صاحبها عاش رقيقاً كالفراشة. وكانت كتابته الشعرية أبعد ما يكون عن اللغة المعدنية الحادة التي تشكل عند بعض الشعراء عدواناً على اللغة ذاتها. بل هي كتابة مائية تشف عما خلفها، عن بلورات شعرية مفردة ومستوحدة. بحيث تبدو الأشياء والخطوط والظلال في هذا الشعر تنبثق وتختفي خلف حجاب رقيق. كماوتتخفف من كل الزوائد والتفريعات والإضافات والعدة القديمة من البلاغة.
مع صاحب «أشكو الخريف» (2003) صار الشعر رشيقاً مثل فراشات الضوء، شيئاً أقرب إلى الإشارات والتنبيهات على مقولة الشيخ الرئيس ابن سينا. الشاعر المولود في بيروت عام 1963 لعائلة فلسطينية تعود أصولها إلى مدينة اللد المحتلة لم يكتب نشيداً ملحمياً يؤرخ خيباته وخساراته العميقة في الطفولة والبلاد والحب، بل بدا مثل طفل تسقط المدن بغتة من يده، فينفخ فوق طقوس الرحيل والتحول أناشيد صغيرة تتراصف لتصبح نشيداً واحداً. وتتجلى الخيبة الفلسطينية كلها في جملة واحدة صافية في مجموعة «تلك المدن» (1999): «أما زالت القدس بعيدة يا أبي؟».
الجيل الثاني للحداثة الشعرية
انتمى اسكندر حبش إلى الجيل الثاني للحداثة الشعرية في بيروت. ولئن أسهم الجيل الأول في وضع البذور النظرية لهذه الحداثة في الستينيات، إلا أنّ جيل إسكندر حبش ورفاقه مثل فادي أبو خليل وجوزيف عيساوي وشبيب الأمين ويحيى جابر ويوسف بزي كان بمنزلة التجسيد العملي لهذه الحداثة في النشرات الشعرية مثل نشرة «ميكروب» التي كان يعدها حبش والأمين ويوزعانها بنسخ محدودة على الأصدقاء، أو نشرة «الأخير أولاً» التي كان جوزيف عيساوي يصدرها في منتصف الثمانينيات في ما عرف بـ «المنطقة الشرقية»، ويتولى إسكندر حبش جمع قصائد الشعراء العرب واللبنانيين من الشطر الثاني من المدينة، لتعبر النشرة خطوط التماس بنسخها الخمسين وتباع في أكشاك الصحف في شارع الحمرا. كما أسهم الجيل ذاته في نقل الشعر إلى حانات المدينة ليتغلغل في جهازها العصبي الليلي، ويقرأ في حانات «جدل بيزنطي» و«شي أندريه» و«دو براغ» وغيرها.
لكن شعر هذا الجيل ظل موشوماً بشظايا الحرب ونثارها، ولعنة سيزيف جعلت صراخه عبثيّاً مكتوماً ووجعه جوانيّاً مثل ريح الكآبة القديمة التي تهب على القلب. أسهم إسكندر حبش في تحرير الصفحة الثقافية في جريدة «السفير» لمدة طويلة، وجعل منها نافذةً للقرّاء على أجمل آداب العالم، إذ كما يقول زميله أحمد بزون «لا أبالغ إن قلت إنه من بين الصحافيين العرب الأعرف بالآداب الأجنبية، فهو أولاً يتمتع بذاكرة أرشيفية مرعبة، وبمعرفة أفقية واسعة لا يملكها صحافي آخر».
اسكندر حبش ترجم أكثر من مئة كتاب
ترجم حبش أكثر من مئة كتاب بين الشعر والأدب والرواية والفلسفة الأجنبية. لأعلام مثل بيسوا وريفيردي وبيثارنيك وشيستوف وغيفيك ورينيه شار وميشيما أيضا. . كما شرع في المدة الأخيرة في أكثر من سلسلة مترجمة حملت عناوين «ترحلات في الكتابة والثقافة» و«السلسلة الفكرية». التي ضمّت ترجمات لفلاسفة كبار و«السلسلة الشعرية». وقد صدرت عن «دار دلمون الجديدة» (دمشق). والكثير من الحوارات مع شعراء عرب. من أمثال محمد علي شمس الدين، وجودت فخر الدين، وزاهر الغافري، وقاسم حداد وغيرهم أيضا.
لم يعش إسكندر حبش طويلاً بالمقياس الزمني للأعمار. إذ غدره الموت بعد صراع طويل مع «السيد س.»، الاسم الذي اختاره للمرض الذي صارعه طويلاً. لكنه عاش حيوات كثيرة مثل فرناندو بيسوا، الشاعر الذي كان مهووساً باختراع شخصيات شعرية بأسماء وعوالم متعددة. وقد أحبه حبش وترجم نصوصه في «راعي القطيع» و«القصائد الوثنية».
ومن أسماء إسكندر حبش الكثيرة. أحببنا اسمه المقاوم الذي لا يساوم حين «يعيد اكتشاف تفاح الجبال/ وجغرافيا الأشياء. يبحث عن شجرة فوق تلك الهضاب وعن السواقي المسروقة على عتبات العصور». ثم يصرخ من قلب جرحنا العامليّ-الفلسطيني: «أيتها السماء، ألا يحق لنا بسهلٍ نركض فوقه؟».
صحيفة الأخبار اللبنانية
				


