اشتباكات دير الزور تكشف هشاشة اتفاق دمشق وقسد

التباين بين الخطاب السياسي المتفائل والعنف الميداني المتجدد يظهر أن الاتفاق بين الرئيس السوري وقائد قسد لا يزال في مرحلة المخاض الصعب.
اندلعت ليل السبت/الأحد جولة جديدة من الاشتباكات العنيفة بين قوات الجيش السوري و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في بلدتي محكان والكشمة شرقي دير الزور، لتؤكد مجددا أن صفيح التسوية السورية لا يزال يغلي رغم التعهدات والتفاهمات رفيعة المستوى.
وجاء هذا التصعيد المسلح ليضع علامة استفهام حول مستقبل اتفاق العاشر من مارس الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، والذي يفترض أن يدمج القوة الكردية المدعومة أميركيا ضمن مؤسسات الدولة.
ولا تعد هذه الاشتباكات مجرد خرق لاتفاق هدنة، بل هي مؤشر على عمق الشرخ بين إرادة القمة المتفائلة وواقع السيطرة والنفوذ المتشابك على ضفتي نهر الفرات.
وشهدت المنطقة الشرقية من دير الزور ليلة متوترة، حيث تبادلت القوات السورية وقوات “قسد” إطلاق النار بالأسلحة الرشاشة والقذائف.
وأفادت التقارير أن الاشتباكات استمرت لساعات، مع محاولات تسلل فاشلة لـ”قسد” إلى نقاط سيطرة الجيش، وفقا لموقع “تلفزيون سوريا”.
وعلى الرغم من تأكيد الجيش إحباط هذه المحاولات وعدم حدوث أي تغيير في خريطة السيطرة، فإن طبيعة المواجهة تشير إلى استمرار النزاع على الأرض.
وأعلنت “قوات سوريا الديمقراطية” بدورها أن مسلحين مجهولين هاجموا إحدى نقاطها في قرية “أبوحمّام”، وأنها ردّت على مصادر إطلاق النار بـ”الوسائل المناسبة”.
وهذا النفي الضمني لتحمل المسؤولية يواجهه تقرير المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أوضح أن عناصر من مناطق سيطرة الحكومة السورية على الضفة الغربية لنهر الفرات هم من استهدفوا نقطة “قسد” بقذائف “آر بي جي”، مما أدى إلى اندلاع الاشتباكات العنيفة التي امتدت لاحقا لتشمل بلدة ذيبان.
ويبرز هذا التضارب في الروايات حالة فقدان الثقة بين الأطراف المتصارعة، ما يجعل أي تهدئة ميدانية مؤقتة وهشة للغاية.
وتأتي هذه الأحداث لتؤكد أن النزاع في شمال وشرق سوريا لم يحل بعد، رغم الجهود الدبلوماسية الأخيرة.
ولطالما تجددت الاشتباكات المحدودة بين الجيش السوري و”قسد” في محافظتي دير الزور وحلب، وهذا النمط المتكرر من العنف يشير إلى خلافات هيكلية عميقة تتجاوز الترتيبات التكتيكية.
وفي الشهر الماضي وحده، أعلنت وزارة الدفاع السورية مقتل عنصرين من الجيش جراء استهدافهما من قبل قوات “قسد” في ريف حلب الشرقي، مما يدل على أن حالة الاستنفار ليست مجرد رد فعل، بل هي جزء من توتر مزمن بين الطرفين.
واستمر هذا التوتر حتى بعد توقيع اتفاق 10 مارس الماضي، الذي يعتبر أهم وثيقة سلام منذ سنوات، والذي يقضي بدمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة لـ”قسد” ضمن إطار الدولة، بما يشمل المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز.
وكان الهدف الأساسي من الاتفاق هو إنهاء حالة الانفصال الإداري والعسكري التي استمرت لسنوات، وإعادة الشمال والشرق إلى سيادة دمشق الكاملة.
وتباينت التصريحات مؤخرا بشكل كبير مع أصوات الرصاص في دير الزور.
وأكد قائد “قسد” مظلوم عبدي التزامه بدمج قواته ضمن الجيش السوري، مشيرا في تصريحات لوكالة “أسوشيتد برس” إلى أن خبراتهم في مواجهة “داعش” ستعزز قدرات الدولة السورية.
وألمح عبدي إلى مرونة تركية محتملة تجاه هذا الاندماج، متوقعا أن يحصل أعضاء وقادة “قسد” على مناصب جيدة في وزارة الدفاع وقيادة الجيش، معتبرا أن تطبيق اتفاق مارس سيساهم في حل العديد من المشاكل الأخرى في سوريا.
وشدد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على أهمية هذه الخطوة، مؤكدا حرص الرئيس الشرع على أن تكون “قسد” جزءا أساسيا من مستقبل سوريا.
وأوضح الشيباني أن غياب “قسد” عن مؤسسات الدولة يعمّق الشرخ، مشيرا إلى “فرصة تاريخية” أمام المنطقة لتكون جزءا فاعلا.
وكشف الوزير عن نجاح الحكومة في إقناع الدول المعنية بملف “قسد” بأن الحل الوحيد يكمن في اتفاق 10 مارس، مؤكدا أن الشراكة ضرورة يجب تحقيقها بأسرع وقت ممكن.
وتوجت هذه الجهود باجتماع وزير الدفاع السوري اللواء مرهف أبوقصرة مع مظلوم عبدي في دمشق قبل أسابيع، حيث اتفقا على وقف شامل لإطلاق النار.
وكان هذا الاتفاق بمثابة خيط الأمل الأخير بعد تصعيد لافت شهدته حلب، حيث استهدفت “قسد” حينها القوات الحكومية ومنازل المدنيين.
ويظهر التناقض بين الخطاب السياسي المتفائل والعنف الميداني المتجدد أن اتفاق الاندماج لا يزال في مرحلة المخاض الصعب، فبينما تتحدث دمشق عن “شراكة” و”اندماج”، تستمر الاشتباكات التي يغذيها عدم الثقة والنزاع على النقاط الاستراتيجية في دير الزور الغنية بالنفط والغاز.
ويعد هذا التصعيد بمثابة اختبار قاس لجدية وإمكانية تطبيق اتفاق مارس، إذ أن استمرار الاشتباكات، حتى لو كانت محدودة، يعرقل مصالح المدنيين ويؤخر عودة المهجرين، ويقدم دليلا على أن القادة الميدانيين على ضفتي الفرات لم يستوعبوا بعد التوجيهات السياسية من القمة.
ويكمن التحدي في تجسيد التفاهمات الورقية كواقع عسكري وأمني مستدام، فما لم تنجح القيادات العليا في دمشق و”قسد” بفرض سيطرة حقيقية وإقرار وقف نهائي لإطلاق النار على الأرض، فإن “الفرصة التاريخية” ستبقى مجرد عنوان أجوف يتآكل بفعل ضربات الـ”آر بي جي” والأسلحة الرشاشة في بلدات دير الزور، حيث يبعث الصراع المستمر في الميدان برسالة مفادها أن سفينة السلام الهشة قابلة للغرق في أية لحظة عسكرية.
ميدل إيست أونلاين



