اشعال فتيل حرب كركوك والاشتباكات تتصاعد
ربما تكون حدة الاهتمام باستفتاء كردستان العراق وتبعاته السياسية قد خفت قليلا، مثل أي حدث آخر، ففي البداية يحتل العناوين الرئيسية ثم يتراجع تدريجيا الى الصفحات الداخلية، ولكن الانتقال الى المرحلة العسكرية الاخطر ربما بات وشيكا، ان لم يكن قد حدث بالفعل، والمحور الرئيسي هو مدينة كركوك حيث تتصاعد التحشيدات للقوات من قبل الجانبين، أي الحكومة الاتحادية العراقية، ورئاسة الإقليم.
الاكراد يقولون ان كركوك هي “قدسهم”، ولا يمكن ان يقوم إقليم مستقل لكردستان العراق دون ان تكون عاصمته، ولذلك سيدافعون عن سيادتهم عليها حتى الموت، ويبدو ان الأخير، أي “الموت”، سيكون الأكثر ترجيحا، لكل من ينخرط في هذه الحرب.
السيد حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، قال انه لا يعتزم الذهاب لما هو ابعد من التحرك السياسي، وشن هجوم عسكري على الإقليم، لكن الحشودات العسكرية التي تتدفق نحو كركوك تشي بعكس ذلك تماما، بالنظر الى استعادة القوات الرسمية العراقية اليوم الجمعة عدة مواقع سيطرت عليها قوات البشمرغة الكردية قبل ثلاث سنوات في محافظة كركوك في حزيران (يونيو) عام 2014 بعد انهيار وحدات من الجيش العراقي في الموصل وما حولها، واستيلاء “الدولة الإسلامية” عليها.
القيادة العسكرية العراقية قالت اليوم انها امرت بحشودات كبيرة استعدادا لاقتحام كركوك، ولا نعرف ما اذا كانت هذه الخطوة تأتي بتعليمات من السيد العبادي، او تشكل تمردا على نهجه السلمي المعلن.
قوات الحشد الشعبي المكونة من عدة فصائل عراقية، وذات اغلبية شيعية، تزحف بالآلاف حاليا نحو كركوك للمشاركة في اقتحامها، والسيطرة على آبار النفط فيها.
هيمن هورامي، كبير مساعدي السيد مسعود بارزاني، رئيس الإقليم، قال ان هناك عشرات الآلاف من الجنود الاكراد يتمركزون حاليا في كركوك استعدادا للدفاع عنها والتصدي لاي هجوم محتمل من قبل قوات الحشد الشعبي والجيش العراقي.
كركوك مدينة مختلطة من العرب والاكراد والتركمان والآشوريين وغيرهم، وجرى شملها في الاستفتاء الأخير في تحد للدستور العراقي والحكومة المركزية في بغداد، ويصر السيد البرزاني على هويتها الكردية، واعتبارها جزءا اساسيا من إقليم كردستان، وتبلغ حجم انتاج النفط فيها اكثر من نصف مليون برميل يوميا تصدر معظمها، الى جانب مصادر أخرى، عبر خط انابيب نفط يمتد الى ميناء جيهان التركي، وتذهب هذه الكميات الى فلسطين المحتلة.
كردستان باتت شبه محاصرة، والحكومة المركزية أوقفت الرحلات الجوية، وأغلقت الأجواء، وطالبت تركيا بإغلاق الحدود خاصة، ووقف مرور أي صادرات نفطية كردية عبر أراضيها، والانباء متضاربة في هذا الصدد حول جدية نوايا انقرة في التجاوب على هذه المطالب واغلاق الحدود، فتركيا منشغلة هذه الأيام في محاولة السيطرة على مدينة ادلب ومعبر باب الهوى الحدودي مع سورية، ومواجهة قوات الحماية الكردية في المنطقة وانهاء سيطرتها على عفرين، اكثر من اهتمامها بموضوع كردستان العراق.
لا نقلل مطلقا من قوة البشمرغة، والعقيدة القتالية لجنودها عندما يتعلق الامر بمدينة كركوك، والحفاظ على هويتها الكردية، حسب ادبياتهم، ولكن التورط في حرب ضد وحدات الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي ربما تكون مغامرة، او مقامرة، غير محسوبة العواقب.
السيد مسعود البرزاني كرس مفهوم تقسيم العراق، ومبدأ الانفصال بمضيه قدما بإجراء الاستفتاء، دون ان يعلم الكلفة الباهظة لهذه الخطوة، والتي ربما تكون ابرز اعراضها تقسيم إقليم كردستان نفسه، وانفصال السليمانية عن أربيل او العكس.
بعد مغامرة الاستفتاء “المرتجلة” تأتي الآن مقامرة الحرب في كركوك، ولا نستبعد ان تكون النتائج اكثر كارثية، لان هذا التحرك لن يوحد العرب والأتراك، السنة والشيعة، سورية والعراق وايران وتركيا، سياسيا بل ربما عسكريا أيضا ضد إقليم شمال العراق.
معركة كركوك الزاحفة بسرعة لن تحدد حدود العراق الجديد، بل إقليم كردستان أيضا، وربما دول الجوار الاخرى.
صحيفة الأخبار اللبنانية