اشعل شمعة في بيت جارك
تؤكد الباحثة المتخصصة نورا فرّا حداد وجود حوار شعبي وعفوي مشترك في الزيارات بين المسلمين والمسيحيين في لبنان، إذ يقصد الأفراد المزارات والمقامات الدينية المشتركة لتقديم النذور، والدعاء، والطلب من القدّيسين أو الأنبياء تلبية حاجاتهم الإنسانية مثل الشفاء من مرض أو النجاح في امتحان أو إنجاب الأولاد وغيرها.
وفي المقابل، تلاحظ الباحثة أن حركة الأفراد المسيحيين تجاه أماكن العبادة الإسلامية أخفّ من حركة المسلمين تجاه المزارات المسيحية، وذلك بسبب محاربة رجال دين متشددين منهم بعض الطقوس والعادات الشعبية التي يعتبرونها بدعة، غير أن تلك الزيارات تبقى راسخة في الثقافة الشعبية والوجدان الجماعي ذي الطابع العفوي، والبعيد عن التسييس والاصطفاف المذهبي.
أماكن كثيرة أخرى في العالم العربي والإسلامي تقام فيها احتفالات ذات بعد ديني وتعتبر جسور لقاء وأدوات وصل بين المسلمين والمسيحيين كديري معلولا وصيدنايا السوريتين، واللذين دأب المسلمون على زيارتهما مع إشعال الشموع وتقديم النذور، أمّا بلدة شقلاوة الواقعة في إقليم كردستان العراقي، فتتميّز بخصوصية تكاد تنفرد بها في العالم، وفق العديد من الدراسات التاريخية والأركيولوجية، وهي وجود مزار مشترك، يطلق عليه المسيحيون اسم الناسك الربن بويا والمسلمون اسم الشيخ وسو رحمان، ويزور هذه المواقع أتباع الديانتين السماويتين في آن واحد، والكل يمارس طقوسه الدينية داخل المزار بطريقته الخاصة.
ويذكر أنّ مقبرة قد ألحقت بالمزار وتضم رفات ضحايا من المسلمين والمسيحيين، كانوا قضوا في ما يعرف بانتفاضة أهالي شقلاوة عام 1987، ودُفنوا مع بعضهم في مقبرة واحدة رغم اختلاف ديانتيهم، وهو ما يعزّز العيش المشترك، وترابط السكان وتشاركهم في ذاكرة وطنية واحدة، من شأنها أن تمحو الفوارق الدينية وتقرّب بين الأجيال القادمة.
ولا تستثنى تونس وبلاد الشمال الأفريقي من هذه العادات والتقاليد التي يصفها الكثيرون بالحميدة، ويعتبرها الباحثون ورجال الدين المعتدلون أمرا إيجابيا في الانفتاح على الثقافات وترسيخ قيم التسامح نحو بناء مجتمعات تنبذ العنف والفتنة والتطرف .
وإن كان الوجود المسيحي ضئيلا في منطقة بلاد المغرب بالمقارنة مع الشرق العربي والإسلامي، فإنّ مشاركة المسلمين في الاحتفالات المسيحية ليست غريبة، وهي منتشرة عبر المعايدات والتهاني، كذلك وبدرجة أكثر نلحظ تشارك المسيحيين من الجاليات الأوروبية، وعبر الزيجات المشتركة الكثيرة مع المسلمين، والذين يقدمون على الإكثار من هذه الاحتفالات التي تأخذ طابعا فولكلوريا تم توظيفه في الصناعة السياحية خصوصا في تونس والمغرب.
فموسم الحج اليهودي السنوي إلى كنيس الغريبة في جزيرة جربة التونسية مثلا، والذي انتهى منذ أيام قليلة، يحظى بأهمية كبيرة، ليس لدى اليهود التونسيين والأجانب فحسب بل لدى المسلمين التونسيين أيضا. وللكنيس مكانة خاصة عند يهود تونس كما الأجانب باعتباره أقدم معبد يهودي في شمال أفريقيا، وترقد فيه، بحسب ما يروى، واحدة من أقدم نسخ التوراة في العالم. وقال رجل دين يهودي “هناك من يزور الكنيس ويحضر البيض معه ليكتب عليه أمانيه ويخبئها فيه لتتحقق، باعتباره مكانا مباركا، وهذه العادة يشاركنا فيها تونسيون مسلمون وفتيات من الراغبات في الزواج، وكل ذلك يتم في احتفالات مرحة ودون حساسيات عقائدية.”