اعتذر «مارك زوكربيرغ» والآن عليه إصلاح «فيس بوك»
تحول فيس بوك من شبكة اجتماعية بسيطة إلى وحش، وهي التي اخترعها مارك زوكربيرغ من غرفة نومه في جامعة هارفارد منذ 14 عامًا.
من الأكيد أنه لم يحسب أي حساب لما وصلت إليه قوة فيس بوك اليوم، وقدرة هذه المنصة في التأثير على الرأي العام، وتغيير مصير شعوب بأكملها، لقد خرج الموقع عن السيطرة، واعتذارات مارك زوكربيرغ لا تكفي لإصلاح هذا الوضع.
ليس هو الوحيد الذي ابتكر اختراعاً معيناً وغير العالم، ثم تحول ذلك الاختراع إلى تهديد حقيقي للناس حول العالم. فهناك روبرت أوبنهايمر، الفيزيائي النظري الذي ساعد في ابتكار القنبلة الذرية، ثم كرس حياته لضبط الأسلحة النووية بعد أن رأى قوتها التدميرية.
صحيح أنه رغم جهوده من أجل السيطرة على اختراعاته إلا أنه فشل، كما فشل كثيرون حدث معهم الأمر نفسه، لكن على الأقل هم حاولوا، ماذا عن مارك زوكربيرغ الذي لم يحاول ولو لمرة واحدة بعد؟
بعد شهرين من الاعتذارات المتتالية من مارك وفريقه، لأكثر من 2.2 مليار مستخدم إلى جانب الملايين من المعلنين والمطورين ووسائل الإعلام والرأي العالمي، جاء مؤتمر المطورين F8 بداية هذا الشهر؛ ليؤكد فيه على أنه حان وقت الأفعال، الوقت قد حان لكبح أحد أهم القنوات للاتصالات والأخبار في العالم.
تحدث مارك زوكربيرغ في المؤتمر أمام أكثر من 5000 مطور بنبرة مدروسة، تحدث عن المسؤولية والمثالية، والابتكار دون تفكير. من التحرك بسرعة، دون كسر الكثير من الأشياء.
وقال مارك أمام حشد من الناس في قاعة للمؤتمرات في سان خوسيه على بعد 20 ميلاً جنوب مقر فيس بوك: “أعتقد أننا بحاجة لبناء تكنولوجيا تساعد على التقريب بين الناس، وأعتقد أن هذا لن يحدث بمفرده.” وأضاف “هذه هي الطريقة التي نفكر في مسؤوليتنا، للحفاظ على سلامة الناس وأيضاً لمواصلة البناء”.
في ظل ظروف عادية قد تكون هذه الكلمات مجرد دعاية من شركة تقنية أخرى في وادي السليكون، لكن في السنوات القليلة الماضية، تحول فيس بوك من كونه تكنولوجيا عالمية متغيرة شهيرة إلى أداة الدعاية الروسية، وشركات استخراج البيانات مثل كامبريدج أناليتيكا، وبطبيعة الحال أداة لممارسة خطاب الكراهية.
كل هذه الأشياء طغت على الأشياء السعيدة عن فيس بوك. لقد جعلونا نحن والمشرعين في جميع أنحاء العالم ممن لديهم القدرة على التنظيم يعيدون النظر في شركات التكنولوجيا والثقة التي منحناها لهم.
انتهت فترة شهر العسل التي عاشها المجتمع لمدة عقدين مع وادي السليكون، وكان هذا أمرًا أقره زوكربيرغ.
وقال زوكربيرغ: “لا يوجد ضمان بأننا نحصل على هذا الحق. هذا شيء صعب. سنرتكب أخطاء وسيكون لها عواقب وسنحتاج لإصلاحها”. وأضاف “لا يكفي مجرد إنشاء أدوات قوية. نحتاج إلى التأكد من استخدامها بشكل مناسب وسنقوم بذلك”.
لمدة 14 دقيقة في المؤتمر تحدث زوكربيرغ عن خصوصية البيانات وسلامة الانتخابات والتحقق من الأخبار والمقالات الإخبارية، وفي ذات الوقت أكد على أن الخصوصية ستكون من أولوية الخدمات التي أعلن عنها مثل خدمة المواعدة المنافسة لتطبيق Tinder.
دافع زوكربيرغ عن نفسه بقوله إنه عندما بدأ فيس بوك، كان عدد قليل من الناس قد خمّن أنه سيكافح ممثلي الدولة. وقال لشبكة تلفزيون (سي.ان.ان) في مارس آذار: “لم أكن لأصدق حقاً أن هذا سيكون شيئاً سأعمل عليه بعد 14 عاما”.
هو على حق، لكن هذا لا يعني أنه قد أفلت من العقاب. بعد كل شيء، فبسبب فيس بوك أصبح غنياً؛ حيث تقدر ثروته الشخصية بنحو 69 مليار دولار. وهذا بفضل الكثير من الإعلانات المستهدفة التي يتم عرضها في خلاصة الأخبار لدينا؛ استنادًا إلى البيانات التي نشاركها مع فيس بوك.
وصحيح أن الأزمة التي اندلعت لم تظهر آثارها في النتائج المالية للربع الأول من 2018، بل إن الشركة أعلنت عن أرباح فاقت توقعات وول ستريت، لكن التاريخ مليء بقصص الكوارث بطيئة الحركة، كما أن المشكلة بدأت خلال منتصف مارس أي 15 يوماً قبل نهاية الربع الأول، لهذا فالنتائج المالية القادمة ستكون حاسمة وستظهر إلى أي مدى تضررت أو نجت الشركة من هذه الأزمة.
وفي انتظار ذلك يراقب الرأي العام والمشرعون ووسائل الإعلام والمستخدمين فيس بوك، هل سيصلح مشاكله وهل سيقضي عليها؟ أم أنه سيستأنف التوسع ويدع هذه المشكلة تتراكم