اعترافاتي : بين غيفارا ودوبريه ورياض الترك !

بيني وبين أحلامي صلة قوية، فأنا ولدت وفي داخلي شلال من الأحلام . أول حلم انتابني هو أن أعطي لا أن آخذ، وحققت هذا الحلم، منذ طفولتي، فأنا لم آخذ من والدي شيئا منذ بلغت العاشرة من عمري، وكنت أشتغل وأعطي أجري له ولأمي، لأن المبلغ الذي أعطيه كان قادراً على سد النقص الذي يجتاح أسرتي.
ثم حلمت أن أشتري ساعة، وكنت أتجول في سوق الحجاز حيث تباع الساعات بين يوم وآخر، وإذا كل الساعات تنأى عني لأن أرخص ساعة كانت بخمس وعشرين ليرة ، وأنا لا أستطيع دفع هذا المبلغ الكبير في ذلك الوقت، وفيما بعد تمكنت من شراء أول ساعة في حياتي ، وكان ثمنها مائة ليرة سورية.
وحلمت أن أرى ماذا يوجد خلف جبل قاسيون . وكنت أظن أن وراء هذا الجبل بحر بيروت، وكان عمري أربعة عشر عاما عندما قطعت الحدود السورية اللبنانية سيرا على الأقدام، لأصل بعدها إلى سيارة تقلني إلى بيروت وأتعرف على البحر، وأقول له : ها أنا وصلت إليك!
وحلمت أن أرسم، وكنت أتصور أن الرسم يحتاج إلى العدة فقط ( أي الريشة وعلبة التلوين ودفتر الرسم) ، ولكنني فشلت في شراء هذه العدة ، فقررت أن أصبح كاتباً، وصرت!
على هذا الأساس بدأتْ أحلامي تكبر، وبين يوم وآخر، كنت أجد أن الأحلام الواقعية يمكن أن تتحقق ، ولذلك حققت أحلاماً كثيرة راودتني من بينها تقبيل ابنة الجيران بعد أن شاهدتُ فيلم أبي فوق الشجرة ..
لا تحسدوني. انتظروا قليلا !
عندما قرأت مذكرات تشي غيفارا، أحسست أن ثمة حلماً يسيطر على هذا الرجل الجميل ، وهو حلم مشروع يذهب بعيدا لتحقيق السمو والرفعة لمجتمع العدالة الرومانسية الذي يعمل من أجله. لم أنتبه إلى حقيقة تحطيم حلمه من قبل قوى نقيضة له بالاغتيال، ولم أنتبه إلى أن كاسترو نفسه تبرأ من توريطه بمتابعة الحلم، فقال:
“كانت تلك فكرة تشي وليست فكرتي أنا. كان في وسعي منعه لأسباب سياسية باعتباري قائداً للحزب، لكن وبسبب علاقاتي الخاصة به، ومعرفتي بمزاجه لم أكن قادراً، وليس من اللائق منعه من فعل أي شيء يريده”.
على هذا الأساس حلمتُ أن أصبح ثائراً، وكانت فرصة التمني سهلة التحقيق، ولكي تحقق أمنية لك، عليك أن تسعى من أجلها، وأنا سعيت من أجلها، قلت في نفسي: “سأصبح ثائرا ً! ”
لم أتصور حجم هذا الحلم ومعناه وثمنه. نعم هذا كان قراري، عندما كنت في العشرين من عمري، فما الذي حصل ؟!
بدأت الخطوة الأولى من طريق الألف ميل، وهي أن تقرأ وتفكر، لتعرف معنى الثورة والتفكير بالثورة، فإذا بي أنتقل من يوميات غيفارا إلى ريجيس دوبريه إلى المقاومة الفلسطينية.. هوب .. لم تعد المسألة مسألة حلم!
لم أنتبه إلى ريجيس دوبريه وهو يقول : «سيكون المرء قويا بالوهم في العشرين من عمره، وقويا بزوال الوهم في الأربعين» . لم أنتبه إلى ذلك أبدا، فتعبت ، تعبت إلى الدرجة التي تحول الحلم إلى كابوس، وعندما شاهدني رياض الترك في دمشق سألني : لماذا لا تنتمي إلى العمل السياسي، وكأنك تخليت عن كل شيء!
قلت له : اسمع يا أبا هشام ، إن أجمل شيء بالنسبة لي أن أعود مساء إلى البيت لأرى ابنتيَّ : أكّاد وجالا ! ، فرد أبو هشام : أما أنا فمستعد لأضحي بكل شيء من أجل الحزب..
وسريعا عرفت أن كلام ريجيس دوبريه ينبغي تعديله كي يصبح : ومن الصعب أحيانا زوال هذا الوهم حتى بالمائة !