تحليلات سياسيةسلايد

اقتتال يُعرّي «المنطقة الآمنة»: تركيا أمام استحقاق مزدوج

على مدار الأيام الماضية، شهدت مناطق سيطرة أنقرة في الشمال السوري حالة غليان شعبي وأعمال شغب، تخلّلها هجوم على مقرّات عديدة، من بينها مقرّات شركة الكهرباء التركية وإحراقها، بعدما واصلت الشركة رفع أسعارها بالتوازي مع زيادة ساعات التقنين. الأوضاع المعيشية السيئة التي تمرّ بها مناطق سيطرة أنقرة، تشابه الضغوط التي يعيشها الاقتصاد التركي الذي شهد ارتفاعاً غير مسبوق في نسب التضخم (أكثر من 70%)، في وقت ارتفعت فيه الأسعار بنحو 40%، بالتوازي مع انخفاض قيمة الليرة أمام الدولار.

في هذه الأجواء، بدأت تركيا، قبل نحو ستة أشهر، تخفيض الميزانية المخصّصة للفصائل التابعة لها، بالإضافة إلى التأخر في دفع رواتب المقاتلين. أمرٌ ضاعف حالة التدهور المعيشي، وأوصلها إلى حدّ الانفجار، مع الهجمات على مقرّات شركة الكهرباء وخروج تظاهرات قوبلت يإطلاق نار أسفر عن مقتل شخصين، أحدهما مقاتل في فصيل «أحرار الشرقية».

عودة صراع النفوذ

تعيش الفصائل التابعة لتركيا صراعاً متواصلاً على النفوذ وممرّات التهريب في ظلّ شح التمويل، الأمر الذي فتح باباً جديداً أمام «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) التي تسيطر على إدلب، للتوسُّع أكثر في مناطق شمال حلب، في ظلّ اعتمادها على «التمويل الذاتي» وحالة الانضباط الأمني التي ترافق مناطق سيطرتها.

وفي آخر فصول الصراع «الفصائلي»، تشهد حركة «أحرار الشام» صراعاً بين مكوّناتها، وسط اتهامات بارتباط «القطاع الشرقي» بـ«هيئة تحرير الشام» التي يقودها أبو محمد الجولاني، الأمر الذي ذكرت مصادر معارضة أن تداولات واجتماعات عدة تجري في الوقت الحالي بين قيادات الفصائل، واجتماعات موازية دخلها الجولاني لحلّ الخلاف القائم، وهو ما يبيّن أن الأخير تمدَّد بشكل فعلي إلى مناطق سيطرة الفصائل.

على المقلب الآخر من الحدود، واصل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إعادة تنسيق خطابه الإعلامي، بعدما عمل، خلال الأسبوعين الماضيين، على رفع وتيرة تصريحاته وتهديداته بشنّ عملية عسكرية، إذ اعتبر أن بلاده لا تريد «إزعاجاً» في «المنطقة الأمنية التركية» بعمق 30 كيلومتراً على حدود بلاده الجنوبية. واستبدل الرَّجل الخطاب التحشيدي، بالحديث عن الإنجازات التي «مزّقت الممرّ الإرهابي» الكردي، في إشارة إلى المناطق التي سيطرت عليها بلاده خلال السنوات السابقة، والتي كانت خاضعة لسيطرة «قسد».

وبعد اتصال هاتفي بين الرئيس التركي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، الأسبوع الماضي، خفّض إردوغان من حدّة تصريحاته، ووجّهها نحو منطقتَي تل رفعت ومنبج، وهما منطقتان تسيطر عليهما «قسد» في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي، وتُعتبران جزءاً من اتفاقية روسية – تركية مرتبطة بإدلب، تعهّدت فيها موسكو بإبعاد خطر الأكراد عنهما، في مقابل عزْل «الإرهابيين» في إدلب وفتح طريق حلب – اللاذقية، وهو ما لم تقم به تركيا حتى الآن.

ومن المنتظر أن تتمّ مناقشة ملفّ هاتين المنطقتين خلال الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى أنقرة الأربعاء المقبل، والذي سيتطرّق أيضاً إلى الأوضاع الأمنية في البحر الأسود، وملفّ القمح الأوكراني. كذلك أعلن قائد قوات «قسد»، مظلوم عبدي، عن تكثيف التواصل مع كل من واشنطن وروسيا ودمشق، ما يمثّل تأكيداً غير مباشر لما تم تداوله عن أن موسكو تضغط على «الإدارة الذاتية» للخروج من منبج وتل رفعت، وتسليمهما إلى الجيش السوري لإنهاء آمال أنقرة بالسيطرة عليهما، واعتبار هذه الخطوة التزاماً بإبعاد الأكراد يجب أن تقابلها خطوات من أنقرة في إدلب، وهو طرْحٌ ترفضه واشنطن التي تبحث عن زيادة الضغوط على الحكومة السورية وروسيا، وتعتبر أن هذه الخطوة تمثّل انتصاراً لهما.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى