اقتِحام قوّات السّلطة لمخيّم جنين واعتِقال رجال المُقاومة قمّة العار ومشروعُ حربٍ أهليّة تلبيةً لمشروع الفتنة الاحتِلالي..
حملة الاعتِقالات التي شنّتها قوّات أمن السّلطة وشملت العديد من مُقاتلي كتائب جنين، تأتي تنفيذًا لصفقةٍ عقدتها قيادتها مع حُكومة بنيامين نِتنياهو العُنصريّة المُتطرّفة، مُقابل بعض الرّشاوى الماديّة، وبِطاقات VIP، والإفراج عن بعض الأرصدة المُجمّدة، وقد أحسنت كتائب “شُهداء الأقصى” التّابعة لحركة “فتح” إعلان تبرّؤها من هذا العار وإدانته، وهذه هي حركة “فتح” الشّريفة المُناضلة التي نعرفها مُنذ إطلاقها الرّصاصة الأولى.
قوّات الاحتِلال الإسرائيلي فشلت في السّيطرة على مخيّم جنين، رغم إرسالها ألفيّ جُندي مدعومين بالدبّابات والعربات المُصفّحة على الأرض والمُسيّرات والمروحيّات الأباتشي من الجو، وبعد 48 ساعة فقط من الاقتِحام قرّرت الهرب تقليصًا للخسائر، والآن يبدو أنها أوكلت هذه المَهمّة لقوّات الأمن التابعة للسّلطة التي كثّفت وجودها في المخيّم، وبدأت حملة الاعتِقالات وفق التّعليمات الإسرائيليّة، وتوعّد بيانٌ صادرٌ عن وزارة الداخليّة التّابعة لها “بقطعِ يدِ كُل من يُحاول العبَث بالأمنِ والاستِقرار ومصالح بلدنا وشعبنا”.
هل مُقاومة الاحتِلال خُروجٌ عن القانون والرّد على مجازره يُعتَبر تهديدًا لمصالح الشّعب الفِلسطيني، وهل الدّفاع عن أبناء مخيّم جنين من قِبَل أبنائهم المُقاومين إرهابًا وعبثًا بالأمنِ والاستِقرار يا قِيادة سُلطة رام الله وجِنرالات قوّاتها الأمنيّة؟
الرئيس محمود عبّاس لم يجرؤ على دُخول المخيّم على ظهرِ مروحيّةٍ أردنيّة ومحميًّا بالمِئات من قوّات الأمن، إلا بعد الحُصول على “تصريحٍ” من كتائب المُقاومة، وفي إطار اتّفاقٍ بالإفراج عن جميع المُعتقلين في سُجون السّلطة في المُقابل، ولكنّه بمُجرّد مُغادرته للمخيّم، نقض الاتّفاق، وأرسل قوّاته إلى المخيّم لتنفيذ حملة الاعتِقالات التِزامًا باتّفاقٍ آخَر أكثر أهميّةً وإلزامًا مع نِتنياهو وحُكومته.
مُنذ أن عقدت الحُكومة الإسرائيليّة المُؤقّتة اجتماعًا أمنيًّا طارئًا يوم الأحد قبل الماضي، لبحث الهزيمة في مخيّم جنين، ودعم السّلطة ماديًّا لتعزيزها ومنع انهِيارها، أدركنا أن المطلوب رأس المُقاومة في شِمال الضفّة الغربيّة، وقطعه بأيدي قوّات أمن السّلطة، وهذا ما يَحصُل حاليًّا في جنين وشِمال الضفّة الغربيّة.
إنّه مشروعُ فتنةٍ إسرائيليّ، نُواته الأُولى توظيف قوّات أمن السّلطة في خدمة حُكومة الثّلاثي إيتمار بن غفير وسموتريتش ونِتنياهو ومشروعها الذي يرمي إلى ضمّ الضفّة الغربيّة بعد إفراغها من جميع المُواطنين الفِلسطينيين أصحاب الأرض، ويبدو أن قادة هذه القوّات وسُلطتهم، يُفضّلون الرّشاوى الإسرائيليّة الماليّة المُهينة والمُذلّة على هدفِ تحريرِ الأرض، وإنهاء الاحتِلال.
الحُكومة الإسرائيليّة التي عجزت عن القضاء على المُقاومة، وإسكات بنادقها ووقف عمليّاتها، تُريد الآن إشعال فتيل حربٍ أهليّةٍ فِلسطينيّةٍ، وتوجيه هذه البنادق إلى قوّات أمن السّلطة، دِفاعًا عن نفسها.
قوّات الأمن هذه لم تُطلق رصاصةً واحدةً دفاعًا عن مخيّم جنين، وتوفير الحِماية لأبنائه، ومُقاومته في مُواجهة الاقتِحامات الدمويّة الإسرائيليّة، ولكنّها لن تتردّد في إطلاق النّار على رجال المُقاومة حمايةً للمُستوطنين الإسرائيليين أولياء نِعمَتها وأسيادها.
عارضنا دعوة الرئيس محمود عبّاس لاجتماعٍ طارئ للأُمناء العامّين للفصائل في القاهرة أواخِر هذا الشّهر تحت عُنوان تحقيق الوحدة الوطنيّة وترسيخ المُصالحة، وطالبنا الفصائل الكُبرى التي تملك أجنحة مُقاتلة مِثل “حماس” و”الجهاد” والجبهة الشعبيّة، بالتعلّم من دعواتٍ مُماثلةٍ مغشوشةٍ في الماضي القريب، وحذّرنا من خطر الوقوع في هذه المِصيَدة مجددًا، ولكن لم يتم التّجاوب مع هذا الموقف الذي يُمثّل رغبات مُعظم أبناء الشّعب الفِلسطيني في الوطن والمنافي، وحرصت هذه الفصائل الثلاث على التّأكيد عبر النّاطقين باسمها، بالمُشاركة تجاوبًا مع هذه الدّعوة المسمومة، ولا نستبعد أن يُهرول مُمثّلوها تجاوبًا للدّعوة نفسها، حتى بعد اتّضاح هذه المُؤامرة التي أقدمت عليها قوّات الأمن التّابعة للسّلطة، بالتّنسيق مع الاحتِلال للقضاء على كتائب المُقاومة في الضفّة الغربيّة بدءًا من جنين، وانتهاءً بنابلس، جبل النّار.
هذا الموقف المُعيب والمُتواطِئ مع الاحتِلال من قبل السّلطة وقوّاتها الأمنيّة لن ينجح في حماية الاحتِلال ومُستوطنيه وجرائمه في حقّ الشّعب الفِلسطيني، والقضاء على جُذور المُقاومة، بل سيُعجّل في نِهايتها وسُقوطها مُجلّلة بالعار، لأنّها باتت تُشكّل عِبئًا على هذا الشّعب، وإرثِه الوطنيّ المُقاوم، ومصدر دعم للاحتِلال بإطالة أمده وترسيخه، ومشاريعه بضمّ الضفّة الغربيّة بعد تفريغها من أهلها.
لا نستبعد أن تُواجه كتائب المُقاومة في فِلسطين المُحتلّة مَهمّتين ضخمتين في الوقتِ نفسه، الأولى التصدّي لقوّات الأمن الفِلسطينيّة التي باتت تُشكّل امتِدادًا رسميًّا وعلنيًّا لنظيرتها الإسرائيليّة، والثانية لقوّات الاحتِلال وأجهزته العسكريّة وذراعه الأمنيّة، بعد أن سقطت الأقنعة عن الوُجوهِ المُتآمرة البشعة.. والأيّام بيننا.
صحيفة رأي اليوم الالترونية