اكراد سورية يتفاوضون في دمشق للعودة الى المظلة الرسمية

يظهر الاكراد السوريون درجة عالية من الحنكة وبعد النظر، والقرءاة الصحيحة للتطورات الإقليمية، في بلدهم سورية ودول الجوار، وبما يميزهم عن نظرائهم الآخرين في شمال العراق، ويجنبهم مواجهة دموية قادمة مع الجيش العربي السوري، ربما تكون مكلفة جدا ماديا وبشريا.

نسوق هذه المقدمة بعد وصول أنباء عن وصول وفد من مجلس سورية الديمقراطية برئاسة السيدة الهام احمد، الرئيسة التنفيذية الى دمشق لفتح قنوات حوار مع الحكومة أبرز اهدافه التوصل الى اتفاق سياسي يحفظ للأكراد حكمهم الذاتي في شمال شرق سورية، ويعيد الخدمات الرسمية الأساسية الى المدن التي يسيطرون عليها، مثل التعليم والصحة والماء والكهرباء.

الاكراد السوريون الذين تسيطر قوات سورية الديمقراطية، ذراعهم العسكري، على ربع الأراضي السورية حاليا، ويحظون بدعم امريكي، اقدموا على هذه الخطوة، وفي هذا التوقيت بالذات، لعدة أسباب:

ـ الأول: عدم ثقتهم المطلقة بالامريكان، الداعم الرئيس لهم، والمتواجدين في قواعد داخل الأراضي التي يسيطرون عليها خاصة بعد ان تخلى هؤلاء عن الفصائل المسلحة المعارضة في جنوب سورية، وارسالهم رسالة واضحة لقيادتهم، وباللغة العربية تؤكد انها لن تتدخل لحمايتهم امام زحف الجيش السوري نحو درعا والقنيطرة، وكذلك لدخول أمريكا في تحالف مع تركيا ضد اشقائهم غي منبج وعفرين، وتخليهم عن كردستان العراق وعدم دعم طموحات قيادتها في الاستقلال.

ـ الثاني: اعلان الرئيس بشار الأسد انه بعد سيطرة قواته على مساحات واسعة من البلاد باتت قوات سورية الديمقراطية “المشكلة الوحيدة المتبقية امامه، وقال “اننا امام خيارين، احدهما فتح قنوات الحوار معهم، واذا لم يستجيبوا سلنجأ الى تحرير تلك المناطق التي يسيطرون عليها بالقوة”، ويبدو انهم اختاروا الخيار الأول.

ـ الثالث: التهديدات التي اطلقها الجنرال قاسم سليماني قبل بضعة أيام التي وجهها الى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقال فيها ان هناك 50 الف جندي امريكي باتوا رهائن تحت رحمة الحرس الثوري وحلفائه، ويقصد بذلك القوات الامريكية في سورية والعراق، والقواعد في منطقة الخليج، الى جانب اكثر من عشرين الف جندي يتواجدون في أفغانستان تحت مظلة حلف الناتو نصفهم من الامريكان تقريبا.

قوات سورية الديمقراطية تجنبت طوال السنوات السبع الماضية من عمر الازمة السورية الصدام مع الجيش العربي السوري، وانخرطت في حرب دموية ضد “الدولة الإسلامية” (داعش) بدعم امريكي عسكري مكنها من السيطرة على مدينة الرقة عاصمة “الدولة” قبل عام تقريبا، وادركت ان الدولة السورية يمكن ان تشكل لها الحماية في مواجهة الزحف التركي على مناطقها.

السيد وليد المعلم، وزير خارجية سورية، كان اول من قدم عرضا، للأكراد يتضمن استعدادا للتفاوض حول منحهم حكما ذاتيا في مناطقهم، وهو العرض الذي فاجأهم، مثلما فاجأ الكثير من السوريين أيضا لم يعامل احد في المنطقة الاكراد مثلما عاملتهم الدولة السورية التي اعتبرتهم مكونا سياسيا أساسيا من مكونات الشعب السوري، وصححت أوضاع الآلاف منهم، عندما منحت الجنسية السورية لحوالي ربع مليون منهم على الأقل قبل الازمة، وفي بداياتها، وارسلت وحدات مقاومة شعبية تابعة لها للقتال الى جانبهم في “عفرين”، لمواجهة القوات التركية التي كانت في طريقها للسيطرة عليها.

ربما يكون من السابق لأوانه التكهن بنتيجة هذه المفاوضات ليس لأنها في بداياتها، وانما لانها غير مسبوقة أيضا، ولكننا في الوقت نفسه نشعر في هذه الصحيفة “راي اليوم” بجرعة كبيرة من التفاؤل بإحرازها الكثير من التقدم على صعيد القضايا المطروحة على مائدة المفاوضات التي نرى انها تعكس تطورا “برغماتيا” و”موضوعيا” لدى طرفيها، السوري الرسمي والكردي، ورغبة اكيدة في تجنب الصدامات الدموية، وهذا عين العقل والحكمة.

أمريكا وإسرائيل والغرب خدعوا الاكراد، وطعنوهم في الظهر، واستخدموهم كورقة لخدمة أهدافهم في بذر بذور الفتنة بينهم وبين جيرانهم واشقائهم العرب، وما حدث في كردستان العراق هو أحد أبرز الأمثلة، وآن الأوان في رأينا لاستيعاب هذه الدروس الخيانية المريرة والتطلع الى تلاحم عربي كردي مشترك يخدم مصالح الطرفين على أسس المساواة والديمقراطية، واحترام حقوق الانسان.

 

صحيفة راي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى