الأحزاب النائمة في سورية (5): تحالف الجبهة الوطنية وخروج جمال الأتاسي .
بعد حركة 16 تشرين الثاني عام 1970، قام الرئيس حافظ الأسد بخطوة مهمة على صعيد الحركة السياسية السورية، تدل على عمق في فهم طبيعة التيارات السورية واحتمالات التعامل معها، فقد اجتمع مع الشخصيات السياسية البارزة في مبنى الأركان القديم الذي كان يتحصن فيه في لحظات الصراع الأخيرة مع جناح 23 شباط ، قبل أن يقوم هو بتشكيل الحكومة وتقوم القيادة القطرية المؤقتة بتكليف أحمد الخطيب برئاسة الدولة بدلا من الدكتور نور الدين الأتاسي، ريثما يتم إقرار دستور دائم للبلاد..
لم تذكر الوثائق والحورات المتعلقة بتلك اللحظات أي اجتماع للفريق حافظ الأسد الذي كان وزيرا للدفاع مع أحد من القوميين السوريين، وهو موقف مفهوم ، وفي ذلك رؤية دقيقة تضع في عين الاعتبار الحساسية المعروفة في الصراع بين البعثيين والقوميين السوريين التي وصلت ذروتها في قيام أحد القوميين السوريين باغتيال العقيد البعثي عدنان المالكي في الملعب البلدي بدمشق.
وسيمضي وقت طويل، قبل أن يذوب الجليد مع القوميين السوريين، وتتغير المواقف، ثم نراهم على مقاعد القيادة المركزية للجبهة الوطنية، وفي خندق واحد مع البعث في موقع السلطة ، ثم سنشاهد خروج بعضهم إلى المعارضة مع الجبهة الشعبية للتغيير التي ترأسها الدكتور قدري جميل خلال الأزمة.
كذلك لم يجتمع الرئيس حافظ الأسد مع أحد من قادة الإخوان المسلمين، وهذا مبرر أيضا وفي وثائق البعث المنهجية تناقض كبير لايمكن إزالته معهم ، لذلك سيغلي مرجل هذا التناقض ويتفجر في أكثر من بركان متفاوت الشدة، كان أحدها مدمرا ودمويا في نهاية السبعينات وكان أكبره ذلك البركان الذي كان الإخوان المسلمون عموده الفقري عام 2011 ، والذي لاتزال حممه تطال البلاد بأشكال أخرى رغم رحيل الرئيس حافظ الأسد وتولي الرئيس بشار الأسد الحكم في حزيران عام 2000..
المهم لاقت تلك القيادات السياسية التي توافدت على مبنى الأركان لاقت مشروع الفريق الأسد عام 1970 بتأييد برنامجه السياسي الذي سيصبح معروفا ببرنامج الحركة التصحيحية في سورية، تحت عنوان ((انفتاح)) على صعيد :الأوضاع الداخلية العربية والدولية !
ألقى الفريق حافظ الأسد خطابه الأول من على شرفة قصر الضيافة ، وكان إلى جانبه رموز هذه القوى، بل إن الدكتور جمال الأتاسي الأمين العام للاتحاد الاشتراكي الند القوي لحزب البعث بعد أحداث 18 تموز الدامية عام 1963 .. الدكتور جمال نفسه كان موجودا وألقى خطابا مماثلا من على تلك الشرفة التي يحتفظ التاريخ بخطاب عارم ألقاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من فوقها عام 1958 أيام الوحدة..
قامت الجبهة الوطنية التقدمية في سورية، بعد سلسلة حوارات قامت بها لجنة برئاسة عبد الحليم خدام، وعضوية شخصيات حزبية معروفة أخرى مثل الدكتور الأتاسي، ويوسف فيصل، وفايز اسماعيل وعبد الغني قنوت وغيرهم أسفرت عن ميثاق معروف هو ميثاق الجبهة الوطنية الصادر في 7 آذار 1971، وكان على السوريين أن يتعايشوا مع شكل هذا التحالف السياسي الذي سيحكم البلاد ويقوده حزب البعث العربي الاشتراكي، والذي سيخرج منه الدكتور الأتاسي محتجا على أن القيادة لحزب البعث ، لكن دون أن تفرغ الجبهة من التيار الناصري لأن فوزي الكيالي حل محل الأتاسي تحت الاسم نفسه، وتحول الدكتور جمال الأتاسي تلقائيا إلى أول معارض للرئيس حافظ الأسد ، فلم يعتقل رغم استمرار نشاطه السياسي مع المحامي حسن عبد العظيم، ولكن لم يكن هناك أي ((نشاط تحريضي))مهم ضد حزب البعث أو الجبهة أو حكم الفريق حافظ الأسد الذي انتخب بزخم جماهيري لافت رئيسا للجمهورية العربية السورية ، وهو أول رئيس دستوري لسورية بعد الانفصال!
كان تحالف الجبهة الوطنية، يتألف من الأحزاب والتيارات التالية:
• حزب الاتحاد الاشتراكي العربي
• الحزب الشيوعي السوري.
• حركة الوحدويين الاشتراكيين .
• حركة الاشتراكيين العرب.
إضافة إلى حزب البعث العربي الاشتراكي ، وبين عامي 1971 و2011 مرت سنوات كثيرة، كبر فيها أطفال سورية وصاروا قادة سياسيين وأساتذة جامعات وكتاب وأطباء .. أما أحزاب الجبهة فتوالدت دون أن تكبر ، وأصبحت على النحو التالي:
حزب البعث العربي الاشتراكي .
الحزب الشيوعي السوري
الحزب الشيوعي الموحد
حركة الاشتراكيين العرب .
حزب العهد الوطني .
حزب الاتحاد الاشتراكي العربي .
الحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي .
حركة الوحدويين الاشتراكيين .
الحزب السوري القومي الاجتماعي .
فلماذا حصل هذا التوالد في الأحزاب ، وهل هو انعكاس فعلي لحركية الشارع السياسي السوري في حقبة الأربعين عاما التي مرت، ثم هل ظهرت أحزاب جديدة ببرامج جديدة، وفي النهاية : لماذا هذا التوصيف لأحزاب الجبهة بالأحزاب النائمة ؟!
يتبع الحلقة السادسة والأخيرة ..