الأخلاق تنهي الحرب
” المنتصر أصدقاؤه كثيرون. المهزوم أصدقاؤه حقيقيون”.
__________________________________________
في كل ما كتبه الألماني “هرمان هيسّه” في السياسة…كان يقول عنه إنه ليس كتابة سياسية. ذلك لأن الغريزة الأخلاقية، كما يسميها، هي قائد، وليس المعرفة بأصول عمل النظام ، وطريقة إدارة طاحونة الدماء في الحرب.
“منذ يقظتي الأولى، قبل ثلاثين عاماً أصبحت ردة فعلي الأخلاقية إزاء كل حدث سياسي عظيم… تبرز دائماً غريزياً. وبدون بذل أية جهود ، وقد دهشت أنا شخصياً من مصداقية ردود فعلي”.
وأنا كنت في حاجة إلى مثل هذا التأكيد. أنا أسميه ، أحياناً، صواب القلب. وكما في التيه يتصرف الإنسان ، على المفترقات، بصواب قلب النجاة.
يوم رأس السنة ، الذي يصوره الناس ، بأفراحهم وأتراحهم ،لسبب ما، ينظر اليه الناس على أنه مفترق طريق زمني، محطة حظ وأمنيات خفيفة ، إن تحققت فشكراً، وما عدا ذلك نحن نعترف بأن الزمن سيء السمعة ، وما الناس سوى مرتكبي حماقات العبور والتقدم في الأمنيات.
…………………………….
أنا منذ اللحظات الأولى للثورة السورية… قادتني غريزتي الأخلاقية… إلى رؤية المشهد الرئيسي في مفصل الزمن السوري : حرب بين طرفين: السلطة ستدافع عن نفسها حتى آخر جندي وآخر بندقية، وبأي ثمن حتى لو تدمّر البلد. والمعارضة تريد الوصول إلى السلطة ، بأي ثمن، ولوتدمّر البلد.
كانت الغريزة الأخلاقية تستند، في واقع الأمر، إلى معرفة لا بأس بها بنوعية البنية السياسية، الطبقية، الفكرية، الأخلاقية لكلا الطرفين. وما من حرب بدأت إلا لتبديل شيء كبير في مسار سياسي. وهنا يبدأ طرفا الصراع الاستعانة بالخارج،وارتكاب أخطاء الطمع بدل الطموح ،والعناد بدل المراجعه.
الآن، وفي مفصل زمني يمكن أن نصفه بأنه غير وهمي… وبعد 5سنوات من مناطحه الجدران …ليس أمام الطرفين سوى العودة إلى الأحجام الطبيعية. وهي من أصعب عمليات فرز الخاسر من الرابح. ذلك لأن حلفاء الطرفين مصرّون على استمرار الحرب، كما هم مصرّون على إيقافها. الاستمرار لتحقيق شرط أفضل. والإيقاف لأن تكاليفها صارت أكبر من مردودها، وهي ذاهبة إلى دمار أشمل.
لا أدري إن كانت ما تزال الغريزة الأخلاقية هذه… تستطيع عبور هذا الحقل من النبوءات… ولكنني أفترض أن” نابليونات” صغيرة يجب أن تتخلى عن عقلية “الجواد” في الحرب، كما على عقلية “العجلات” في الوحول يجب أن تجري تعديلاً على… الوحل.
سأقترح لإيقاف الحرب “مقياساً” لجودة اتفاق بين نابليونات الجواد والعجلات، هو التفكير، ليس بوقف النار، وإنما يإشعالها… لكن تحت أواني طبخ لوليمة مشتركة بين الأخوة الأعداء.
ثم نفحص، كما في امتحانات القبول تصورات الطرفين لمستقبل سورية ،ليس بدءاً من ساعة توقيع الاتفاق… وإنما من الآن، بالتفاصيل، وليبدأ أحد العباقرة بإعداد قائمة بما سنبنيه، لا بمن سنعدمهم وبمن سنكافئهم….
سؤال الامتحان ، لدى كل خطوه: هل هذا لمصلحة البلد؟
على ضوء الجواب سنجد أن آلاف الإجراءات والقوانين، والعادات ، والقيم القديمة ،المعيقه ،المشبوهه والمشوهه ….ستُرمى في زبالة سورية حديثة تعيد بناء نفسها وتتمدن.
في إحدى القصص الروسية…هناك معركة في بار بين سكارى. رجل يدخل البار ويقرر أن يكون بطلا يضع حدا لمثير الشغب، لكن وجد أمامه عملاقا.
وقف الرجل الباحث عن المكانة في المكان، في الأزمة… وقف ساداً طريق انسحاب العملاق متوقعاً المعركة معه. لكن كل ما فعله العملاق : أمسك الرجل ورفعه كدمية ثم وضعه جانباً…وأكمل عبوره.
آن الأوان لاختراع طريقة جديدة في العيش الكريم في بلاد جميلة.
سيكون هذا اختراعاً أخلاقياً !