الأدعياء الدعاة
الدعاة..
قال رجل من العراق لرجل من الشام يشتمه: “حَلَق الله لحيتك” فأجاب الرجل: ” بمكّة إن شاء الله”.
بتقرير، أو دعوى للنائب العام في مكان ما، يمكن إرسال هذاالرجل ذي اللسان المرح إلى السجن، لأن المقصود ليس إفحام الخصم الشاتم، بل الاستهانة بمكة (التي، بالطبع، ليست دكاناً للحلاقة).
وهناك مهندس اشتغل في السعودية سبعة عشر عاماً ، وعندما اضطر لإقامة دعوى على كفيله السعودي لحجزه حقوقاً مالية سأله القاضي: اسمك جورج .أنت مسيحي ماذا تفعل هنا؟
والشاعرعبد المعطي حجازي لم يشتم الدين ولا المقدسات، بل قال آراء، وناقش بشراً يريدون المناقشة، فطلع له، على زاوية العصر القديم للتكفير، الأزهري الداعية “يوسف البدري” ، واستصدر حكماً ضده.وعرضوا بيته للبيع بالمزاد.
ليس للبدري صفة إفتائية أورسمية، ولكن اختصاصه رصد كلام المثقفين ، وإقامة الدعاوى عليهم. ومنذ نجاحه في تطليق نصر حامد أبو زيد من زوجته (لم يطلقا فهاجرا)… أصبح اختصاص هذا الشيخ “التطليق عن بعد”.
وكما لن يناقش أحد الجهة القضائية، في أحكامها الرصينة والحرفية والاستنفارية عندما يتعلق الأمربالدين وحرية الرأي، كذلك لم يناقش أحد افضلية “جورج ” بوش على… المتنبي. أو مساواة صاحبنا “جورج ” المسيحي المسالم أمام القضاء السعودي بجورج بوش المسيحي، وهو يحتل الشرق العربي.
وإذا كنا بلاداً لا “قضاء” فيها بل ” قَدَر” أحمق الخطى ، فالطبيعي أن يسود الإرهاب المعنوي، ويدخل إلى الوجدان الفردي، كسوء تغذية ونقص مناعة. فنحصل على الأسوأ: “الكائن المرتجف” وتخترع ، حتى الدول العظمى والديمقراطية ، “قانون الارتجاف”. إذ يكفي أن يقف في مطارأمريكي، أمام الأمن العام، شخص اسمه بالصدفة “أسامة” حتى يرتجف مسدس الشرطي، وينفرزالشخص حتى يجري التحقيق معه.
الخطورة ليست في القضاء والقاضي، بل في الداعية والدعاة الذين يتوقعون مكافأة الآخرة بطعن نجيب محفوظ، وتكفير حامد أبوزيد، وهدردم حيدر حيدر، وقتل فرج فوده.
الخطورة في استمرار هذا الدلال الذي يرفل به الدعاة، في كل مكان، من الجامع إلى الجامعة، ومن المقروء إلى المرئي والمسموع… في حين تستمر دولنا في استيراد “السترات الواقية من… المثقفين” … على الرغم من ان الدعاة “حاولوا” الدولة بينما المثقفون “حاوروا” الدولة.
…… بعد كل هذه الكميات من اللاعدالة قد تكون هذه الذروة في الحضيض خاتمتنا : مات العبد فكافأه سيده :
“كنت طيباً وإني… أعتقك”.