الأردن في مواجهة العواصف (خير الله خير الله)

 

خيرالله خيرالله

تواجه المملكة الاردنية الهاشمية هذه الايّام مجموعة من التحديات التي يمكن وصفها بانها فريدة من نوعها في التاريخ القصير للبلد. تعود هذه الفرادة الى طبيعة هذه التحديات الناجمة عن عوامل داخلية وخارجية في الوقت ذاته.
للمرّة الاولى في تاريخ الاردن هناك ما يمكن وصفه بتعقيدات لم يتعوّد عليها البلد المصرّ على اثبات انه ليس الوطن البديل للفلسطينيين وانه جزء لا يتجزّا من الاستقرار الاقليمي، وذلك على العكس ما يدّعيه كثيرون يعتقدون ان من السهل تجاوز الاردن او تصدير ازمات الآخرين اليها.
يقود الملك عبدالله الثاني المركب الاردني وسط العواصف. هناك عاصفة مصدرها سورية حيث ثورة شعبية حقيقية ونظام يرفض الاعتراف بانّ عليه الرحيل اليوم قبل غد في حال كان مطلوبا خروج البلد من ازمته والاعداد لمرحلة انتقالية تهيئ لنظام جديد يضمن حدا ادنى من الحقوق والعيش الكريم للسوريين.
في كلّ يوم يمرّ يزداد عدد اللاجئين السوريين في الاراضي الاردنية. هؤلاء في حاجة الى كلّ شيء، بما في ذلك المياه. والمياه نادرة في الاردن التي تجد نفسها مضطرة الى اقتطاع كمية منها يحتاج اليها الاردنيون.
عدد اللاجئين السوريين في الاردن مخيف وفي زيادة مستمرّة وسيصل قريبا الى اكثر من مئتي الف يفترض في الاردن اطعامهم وايواؤهم وتقديم خدمات كثيرة من بينها الطبابة والتعليم والمأوى.
بكلام أوضح هناك حاجة الى مئات ملايين الدولارات للقيام بذلك. هل من يريد مساعدة الاردن حقا في هذه المهمة التي تعجز عنها الدول الغنية؟
فضلا عن ذلك، على السلطات الاردنية ان تكون متيقظة على مدار الساعة، نظرا الى ان السوريين، بالتنسيق مع الايرانيين طبعا، يمكن ان يرسلوا عناصر مندسة مع اللاجئين السوريين تهدد الامن الوطني. فما لا يمكن ان يغيب عن بال احد ان النظام السوري، المدعوم من ايران، لم يتغيّر ولن يتغيّر. لا يزال يعتقد ان في استطاعته تجاوز ازمته الداخلية عن طريق تصديرها الى الخارج، الى الاردن ولبنان تحديدا.
اللاجئون السوريون عبء ضخم على كاهل الاردن الذي يقف سدّا في وجه تصدير الازمة السورية الى منطقة الخليج. هل هناك وعي لذلك في المنطقة العربية؟ هل هناك وعي لضرورة دعم الاردن القادر على تجاوز تحديات المرحلة متى توافر الدعم الكافي؟
ما لا بدّ من الاعتراف به، ان المشكلة الاساسية في الاردن هي «الاقتصاد». الملك عبدالله الثاني نفسه يدرك ذلك، وهو يدرك ايضا ان السير الى النهاية في الاصلاحات المقررة وصولا الى الانتخابات النيابية قبل نهاية السنة مرتبط الى حدّ كبير بتحسّن الوضع الاقتصادي.
من هذا المنطلق، تحرّك العاهل الاردني قبل ايام على وجه السرعة وجمّد الزيادة التي اقرتها الحكومة على اسعار المحروقات. لا شكّ ان الحكومة التي يرأسها الدكتور فايز الطراونة اتخذت قرارا غير شعبي. فالطراونة رجل دولة من الطراز الاوّل على استعداد لاتخاذ قرارات صعبة لا يتجرّأ عليها سوى قليلين تصب في نهاية المطاف في خدمة مؤسسات الدولة. لكنّ الظروف الراهنة في الاردن تفرض التركيز على منع المزايدين من استغلال اي فرصة لزعزعة الجبهة الداخلية.
من الواضح، ان هناك رغبة على اعلى المستويات الاردنية في منع العبء الناجم عن الازمة السورية، وهي ثورة شعبية بكلّ معنى الكلمة، من تعطيل الاصلاحات المقررة. تستهدف هذه الاصلاحات وضع الاسس لحياة سياسية تقوم على التنافس بين احزاب ذات برامج واضحة. هذا، على الاقلّ، ما يطمح اليه العاهل الاردني المصرّ على اجراء الانتخابات النيابية، التي يحاول الاخوان المسلمون تعطيلها، قبل نهاية السنة. الهدف النهائي تحقيق نقلة نوعية ذات طابع حضاري في الحياة السياسية الاردنية.
من اللافت ان اجراء الانتخابات النيابية على اساس قانون عادل، غير مفصّل على قياس الاخوان، بات قضية في الاردن. ولذلك، صارت الجهود منصبة على تأمين اكبر نسبة من المشاركين في الانتخابات كي يقول الشعب الاردني كلمته بصراحة وجرأة في آن.
من الآن، بدأت حملة شعبية واسعة تستهدف التسجيل من اجل الانتخابات. اسم اللعبة هي المشاركة في الانتخابات. ومتى وصل عدد المسجلين الى رقم معيّن، تسقط كلّ الحجج التي يأتي بها الاخوان ومن يدعمهم من خارج الاردن من اجل المقاطعة. انّ بلوغ نسبة المسجلين رقما معيّنا ستعني ان هناك بداية وعي شعبي اردني للمرحلة الدقيقة التي تمرّ بها المملكة من جهة واستيعاب للمحاولات التي يبذلها الاخوان المسلمون، بصفة كونهم الحزب الوحيد المنظم في البلد، للسيطرة على الشارع من جهة اخرى. لذلك، يبدو مطلوبا اكثر من اي وقت خروج الاكثرية الصامتة عن صمتها وقول كلّ اردني انه يفتخر ببلده وبما تحقق فيه على الرغم من انعدام الموارد والثروات الطبيعية.
الاكيد ان الوضع الاردني ليس سهلا، خصوصا في ظلّ الوضع الاقليمي المتفجّر وما يحدث لدى الجار السوري. ولكن من كان يتصوّر ان المملكة ستتجاوز كل تلك الضغوط الداخلية التي تعرّضت لها في السنتين الماضيتين منذ بداية ما يسمّى «الربيع العربي». من كان يتصوّر انه على الرغم من كل الجهود التي بذلتها هذه الجهة الخارجية او تلك، وعلى الرغم من كلّ الاموال التي وظّفت من اجل ان يكون هناك حراكا شعبيا في الاردن ومن اجل استخدام العنف في مواجهة قوات الامن، لم يسقط اي قتيل في الاردن. القتيل الوحيد سقط بسبب ازمة قلبية.
من الباكر الجزم بانّ الاردن تجاوز أزمته، لكنّ ما لا بدّ من التوقف عنده ان هناك مزيدا من المواطنين الذين بدأوا يعون ان عليهم تحمّل مسؤولياتهم وان الخطوة الاولى في هذا الاتجاه تسجيل اسمائهم من اجل المشاركة في الانتخابات. انها الخطوة الاولى على طريق تأكيد ان هناك اكثرية مستعدة لخوض معركة المستقبل الافضل بدل تصديق الشعارات الرنانة والفضفاضة التي تقود الدول الفقيرة التي لا تمتلك موارد طبيعية الى الهاوية…

صحيفة الرأي الكويتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى